طرحتْ به النوى مطارحَها حتى إذا كان في أرض كابل من بلاد الأفغان و خلا بنفسه.. تذكر أمَّه الرؤوم على ضفاف الخليج فحنَّ لها حنين الإبل إلى أوطانها.. ورفع عقيرته يتغنى مع الشاعر:
يا غَرِيبَ الدّارِ عَنْ وَطَنِه ***مُفْرَداً يَبْكي عَلَى شَجَنِهِ
ويشرق بدمعٍ عاجلة سخياً.. ويطلق آهة حرّى لا تقع على شيء إلا أحرقته..
وحقَّ للمسكين أن يبكي فراق أمٍّ رؤومٍ أخذ منها الحنان مأخذه، حتى إنها لتخشى على الفتى الغريب مما لم يتوقع الخشية منه.. لكنها وهي الأمّ الطيبة تقول: قد يُؤتى الْحذِرُ من مأمنِه..!
أيُّ حسرةٍ تعدلها حسرةُ فراق أُمٍّ كهذه..؟!!
ويتناول القلم ويستدني الورق ليكتب لأغلى أمٍّ رُزِق إياها في سنّ التعقل و الروية.
أمي الحبيبة/…. دامَ لي وعليَّ رضاها..
لا أَعُدُّ فراقكِ غربةً بقدر ما هو خروجاً من نعيمٍ كنتُ فيه ونعمةٍ سرتْ إليها عينُ حاسدٍ بليلٍ وأنا عنها غافل…!
أمي الحبيبة/…. لا عدمتُها…
ما دَرَى الدَهْرُ الّذي فَرَّقَنا أنَّهُ فَرَّقَ رُوحاً عَنْ جَسَدٍ..؟!
أهِ لو تعلمين أيّ شوقٍ أكابِدُهُ وأيّ حزنٍ أعانيه..
إني أعدُّ الأشهرَ والأيام والساعات أترَقَّبُ تلْكم اللحظات السعيدة التي سأُكحل فيها عيناي بمرأى ذلكم الوجه الصَبُوح.. وأَلثِم تلكم اليد الطاهرة التي طالما كتبتْ لي معتذرةً ومسامحةً وداعيةً بقرب اللقاء.
كلماتٌ مصدرُها القلبُ الأبيض، دبجتْها أنامل أمٍ، أقلُّ ما أقول فيها إنها أغلى أمٍ تخشى على فتاها ما لم يتوقع الخشية منه.. وقد يؤتى الحذِرُ من مأمنه..
إني أحبك أماه.. ودعاءً لي من الأعماق أن أسيطر على مشاعري لحظة اللقاء فلا أَصْرُخ.
أمي الحبيبة:
هَبِيني أَسْتُـرُ النَّجْوَى أَ لَيسَ الدَّمُعُ يَفْضَحُني..؟
لِسَاني فِيكِ أَمْلِكُــهُ ودَمُعُ العَيْنِ يَمْلِكُـني..!
ودعاء من الأعماق ألا أشرق بالدمع وأنا أسير الهوينا كي ألثِم يد أغلى أمٍ رُزِقتُها في سنِّ التعقل والروية..
كابل
1978م
8/ العقرب/1357شمسي