بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين،،، وبعد
تعلم أخي القارئ الكريم أن الحج عبادة من أعظم العبادات، فأنت تتوجه في زمان فاضل إلى أمكنة فاضلة ومشاعر معظمه تؤدي عبادة من أجلّ العبادات البدنية والمالية، لا تريد بذلك فخراً ولا رياءً ولا نزهةً ولا طرباً، وإنما تريد وجه الله والدار الآخرة، فأد هذه العبادة كما جاء في الكتاب والسنة من غير غلو ولا تقصير ليحصل لك ما أردت من مغفرة الذنوب والفوز بالنعيم المقيم في جنات عدن، وكما أخبر النبي صلى الهل عليه وسلم فيما صح عنه أنه قال: (مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّه).
أخي القارئ الكريم أعلم أن للحج أنساكاً ثلاثة، يختار المسلم منها ما يشاء، وقد دل على ذلك حديث عائشة رضي الله عنها في البخاري، قَالَتْ: (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الهم عليه وسلم عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، وَأَهَلَّ رَسُولُ اللهِ صلى الهم عليه وسلم بِالْحَجِّ، فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، أَوْ جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ).
فَالأول نُسك التمتع: وسمي تمتعاً؛ لأن فيه مُتعةً للنفس بين العمرة والحج، ومتعة بمباشرة ما حَظُرَ على المكلف بعد إحرامه، حيث إنه يفرغ من العمرة ثم يَحلُّ له ما حرم عليه بالإحرام.
والتمتع أفضل الأنساك، وهو أن يحرم الحاج بالعمرة وحدها في أشهر الحج شوال وذي القعدة وتسعة أيام من ذي الحجة، فإذا وصل الحاج إلى مكة طاف وسعى سعي العمرة وحلق أو قصر فإذا كان يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة أحرم بالحج وحده وأتى بجميع أفعاله.
وعليه في حجه الهدي، كما أن عليه طوافاً وسعياً للعمرة، وطوافاً وسعياً آخر للحج، ولكثرة أعماله وأمر النبي صلى الهل عليه وسلم به أصحابه، اعتبره عدد من العلماء أفضل أنواع النسك.
هذا وقد يحرِم الإنسان بالعمرة متمتعاً بها إلى الحج ثم لا يتمكن من إتمام العمرة قبل الوقوف بعرفة ففي هذه الحال يدخل الحج على العمرة ويصير قارناً، ومثاله:
لو أن امرأة أحرمت بالعمرة متمتعة بها إلى الحج فحاضت أو نفست قبل أن تطوف، ولم تطهر حتى جاء وقت الوقوف بعرفة؛ فإنها في هذه الحال تنوي إدخال الحج على العمرة وتكون قارنة، فتستمر في إحرامها وتفعل ما يفعله الحاج غير أنها لا تطوف بالبيت ولا تسعى بين الصفا والمروة حتى تطهر وتغتسل.
وأما النسك الثاني: القران؛ وهو أن يحرم بالعمرة والحج معاً ولا يحل من إحرامه إلا يوم النحر، وسمي بذل لأنه يَقْرنُ بين العمرة والحج ، أي يُجمع بينهما، فيقول : (لبيك حجاً وعمرةً) أو (لبيك عمرةً وحجاً)، ولذلك شرطان :
أما الشرط الأول: أن ينقعد نسك العمرة حتى يُبنى عليه نسك الحج .
وأما الشرط الثاني: فهو أن يُدخل الحج على العمرة قبل طواف العمرة، فلو أراد أن يُدخل الحج على العمرة بعد السعي ـ أعني سعي العمرة ـ فإنه لا يجوز .
وعليه في حجه الهدي كالمتمتع، وليس عليه إلا سعي واحد بين الصفا والمروة، فإن سعى مع طواف القدوم كفاه عن سعي الحج، مع طواف الحج أيام التشريق، لأن هذا الطواف ركن في الحج لجميع الحجاج لا يبدأ إلا في يوم العيد.
وعمل القارن كعمل المفرد سواء، إلا أن القارن عليه هدي والمفرد لا هدي عليه.
وأما النسك الثالث: الإفراد ؛ وسمي بذلك لأنه يأتي بالحج مفرداً ليس معه عمرة، فيقول لبيك اللهم حجاً، وليس عليه هدي، أما في الطواف والسعي فهو مثل القارن ليس عليه إلا سعي واحد، أما الطواف فيلزمه طواف الحج في أيام التشويق، ولو طاف للقدوم.
والمفرد ينبغي أن يقتصر على الحج فقط دون أن يأتي بعمرة بعد انتهائه من شعائر الحج، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الهق كما في المنسك: "ولم يَرِدْ عن النبي صلى الهأ عليه وسلم ولاعن خلفاءه الراشدين ، ولا عن أصحاب النبي صلى الهل عليه وسلم أنهم أتوا بعمرة بعد الحج ، وعد ذلك من الأمور الحادثة بعدهم"، قال: " إلا ما ثبت عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ ولها عذر في ذلك ، فلا يُقاس عليها في هذه المسألة" يعني في استحباب المجيء بعمرة بعد الحج مُطلقاً. واختيار شيخ الإسلام هو الذي عليه عمل النبي صلى الهع عليه وسلم وصحبه الكرام ، ولا يُعرف لهم مخالف .
أما من أحرم بالنسك ولم يعين نسك حجٍ ولا عمرة ، فلم يعين تمتعاً ، ولا قِراناً ولا إفراداً؛ فإنه يجوز له أن يصرف نسكه إلى ما شاءه من الانساك الثلاثة، فيسوغ أن يكون متمتعاً أو قارناً، أو مفراداً، لكن السنة لمن أراد نسكاً: أن يعينه ، حيث إن النبي صلى الهع عليه وسلم اعتمر عُمُراً أربع وحج حجةً واحدة ، وعيّنَ فيها نُسكه. وجاء عند مسلم من حديث جابر ، ومن حديث عائشة أن النبي صلى الها عليه وسلم جاءه جبريل فقال له: (إن الله يأمرك أن تقول لبيك حَجَاً وعمرة).
والهدي الواجب على المتمتع والقارن شاة تجزئ في الأضحية أو سبع بدنة أو سبع بقرة، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله, ويجوز أن يصوم الأيام الثلاثة في أيام التشريق، وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة, ويجوز أن يصومها قبل ذلك بعد إحرام العمرة، لكن لا يصومها يوم العيد ولا بعرفة لأن النبي صلى الها عليه وسلم كما عند أبي داود في سننه : (نهى عن صوم العيدين ونهى عن صوم يوم عرفة بعرفة).
ويجوز أن يصوم هذه الأيام الثلاثة متوالية ومتفرقة، لكن لا يؤخرها عن أيام التشريق, وأما السبعة الباقية فيصومها إذا رجع إلى أهله إن شاء صامها متوالية وإن شاء متفرقة، ولكن في شهر ذي الحجة.
وأيام ذبح الهدي أربعة يوم العيد وثلاثة أيام بعده، فمن ذبح قبل هذه الأيام فشاته شاة لحم لا تجزئه عن الهدي، لأن النبي صلى اله عليه وسلم لم يذبح هديه قبل يوم العيد، والهدي من النسك وقد قال صلى اله عليه وسلم: (خذوا عني مناسككم)، وفي مسند الإمام أحمد عنه صلى الهث عليه وسلم أنه قال : (كل أيام التشريق ذبح)، وأيام التشريق هي الأيام الثلاثة التي بعد العيد.
فأدِّي أخي القارئ الكريم نسكك كما أمَرك بذلك ربّك سبحانه وتعالى، والزَم السكينةَ والوقارَ في كلّ أحوالِك، واعلم أنَّ لهذا البيت حرمتَه وأمنه، قال الله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً ءامِناً)، وقد توعَّد الله من همَّ بسوءٍ في الحرم أن يعاقبَه بمجرَّد نيّته وإن لم يفعل شيئاً قال الله تعالى: (وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ).
هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم،،،