الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:
فإن الله جل جلاله عظّم في كتابه شأن علماء الدين؛ لأنهم الذين حملوا في صدورهم كتاب الله جل وعلا وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ثم بينوا ذلك للناس، فرفع الله المؤمنين بالله ورسوله، رفعهم درجات، وجعل أرفع المؤمنين درجات: أهل العلم {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}. فأهل العلم هم أرفع هذه الأمة درجة، وصحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أيضاً هم درجات، وأرفعهم علماؤهم، والعشرة المبشرون بالجنة هم أرفع أولئك، وصحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جعلهم الله خير هذه الأمة؛ لأنه رضي عنهم واختارهم لصحبة نبيه -صلى الله عليه وسلم- {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة}. وقال في شأنهم: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً{. وقال عز وجل: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان}. ومع ما أثنى الله عليهم في آيات كثيرة فقد ظهر أناس في زمن الصحابة يضللون الصحابة ويرون أن ما هم عليه ليس بحق، بل كفروا بعضاً منهم، وأجمع المسلمون من أهل السنة والجماعة على أن من ذكر الصحابة أو ذكر علماء هذه الأمة بغير الخير فإنه على غير السبيل، يعني على غير سبيل أهل السنة والجماعة؛ لأن علماء هذه الأمة هم الذين ورثوا محمداً -صلى الله عليه وسلم-، ورثوا أقواله، وورثوا القرآن، وورثوا السنة، وورثوا أفعال النبي عليه الصلاة والسلام، ونقلوها إلى الناس، فمن طعن في الصحابة فإنه يطعن في الدين؛ لأن الصحابة هم الذين نقلوا الشريعة، وهم الذين بلغوها إلى الناس، فإذا طعن فيهم رجع الطعن إلى من نقل الشرع، وهذه من أكبر وسائل الملحدين في الطعن في الإسلام.
كذلك لما توالى الزمان طعن أناس في أئمة أهل السنة والجماعة، تارة بعدم معرفتهم بالدنيا، وتارة بأنهم يدخلون على الولاة، وتارة بأنهم لا يفقهون إلا النصوص ولا يعلمون العقليات، والغرض من ذلك كله أن يطعنوا في الشريعة؛ لأن الشريعة إنما يبينها أهل العلم، فهم يبينون كتاب الله ومعانيه، ويبينون السنة ومعانيها، فمن طعن في أهل العلم رجع طعنه إن كان مريداً أو غير قاصد إلى الشريعة؛ لأن الشريعة إنما يبلغها هؤلاء العلماء الذين ورثوا محمداً -صلى الله عليه وسلم- بشهادته عليه الصلاة والسلام حيث قال: (إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظٍ وافر).
أيها القارئ الكريم النجاة النجاة، واحذر سبيل المبطلين الذين يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، ويرتكبون النهي مع علمهم بذلك، ويطعنون في أهل العلم، ثم اعلم أخي القارئ أن العلماء هم خيرة أهل الأرض قاطبة بما يحملون في صدورهم من القرآن، من كلام الله، ومن كلام المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، إذا تحدثوا تردد في حديثهم كلام الملك العلي العظيم، وإذا تكلموا تردد مع كلامهم كلام المصطفى -صلى الله عليه وسلم- كأنه حيٌ حاضر يحدثنا, يفقهوننا ويعلمون الجاهل ويفتون وسيعلم الناس أثرهم إذا قام الأشهاد يوم القيامة، من أخذ من عالم كلمة فاهتدى بها فنفعته في دينه فإنه سيعلم عظم أثرها يوم القيامة فكيف يكذب المبطلون على أهل العلم، وكيف يبهت المبطلون أهل العلم، وكيف يغتاب الناس أهل العلم وهم خيرة الله في أرضه؟ ومن ذكرهم بغير خير فهو على غير السبيل.
إن الكذب على أهل العلم كبيرة من الكبائر، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من حدث بحديث يُرى أنه كذب فهو أحد الكاذبَين) وفي رواية أو في ضبطٍ: (فهو أحد الكاذبِين) ، وقد قال الله جل وعلا: {إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون}.
فماذا يقول أولئك الذين يكتبون في الصحف اليومية بين الحين والآخر ويلمزون العلماء وينتقصونهم كلما سنحت فرصة، ويدَّعون زوراً وبهتاناً أن علماء هذا البلد السابقين رحمهم الله كانوا سذج وقفوا في وجه تقدم هذا البلد ورقيه وأنهم كانت لهم مكاتبات مع ولاة الأمر في التحذير من وسائل التقنية الحديثة، أي افتراء على علماء أفنوا حياتحم في قال الله وقال رسوله -صلى الله عليه وسلم-، أي افتراء على علماء الأمة ووصفهم بالجهل وقصور الفهم، وليعلم كل من ينشر تلك الأباطيل أن العلماء رحمهم الله سيقفون خصمه يوم القيامة، وسيعلم اللذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
إن علماء هذا البلد السابقين رحمهم الله كانوا إذا أرادوا كتابة نصيحةٍ أو توجيه للمسلمين كانوا يختمون هذه الكتابات بختمهم الرسمي، وكان لا يكتب لهم أي أحد بل كُتَّابهم معروفون بخطهم، فلا يكتب لهم كل من هب ودب، فما بال البعض يدعي أنه قد حصل على شيء من كتاباتهم، لم تختم بختمهم، ولا يعرف من كتبها من كتابهم المعروفين، فيها أفتراء عليهم وأنهم من خلالها وقفوا في وجه وسائل التقنية كالبرقية والهاتف وغير ذلك وحذروا من التنقيب عن البترول، ولا يعلم هذا المفتون أن جمعاً من العلماء من أمثال الشيخ العلامة سعد بن حمد بن عتيق -رحمه الله- والشيخ العلامة إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- وغيرهم ممن توفي أوائل القرن الماضي رحلوا للهند طلباً لعلم الحديث وشاهدوا البرقية والهاتف هناك، قبل أن تصل إلينا، وعلموا كيف تعمل ولم ينقل عنهم إنكار لها، وهذه كتبهم ورسائلهم المنشورة ليس فيها شيء من هذا، بل هو محض الافتراء، والعلماء السابقين رحمهم الله هم أول من هنئ الملك عبد العزيز طيب الله ثراه باكتشاف البترول، فكيف ينصحونه بعدم التنقيب عنه، وهم أعلم بالفقه فقد جاء في المغني لابن قدامة -رحمه الله- قال: "المعادن الظاهرة: كالملح، والقار، والكحل، والجص، والنفط، والكبريت ومقاطع الطين، وأشباه ذلك ـ لا تملك بالإحياء ، ولا يجوز إقطاعها لأحد من الناس، ولا احتجازها دون المسلمين، لأنها تتعلق بها مصالح المسلمين العامة فلم يجز إقطاعها، وهذا مذهب الشافعي، ولا أعلم فيه خلافاً "ا هـ. بمعنى أن ولي الأمر له الحق في التصرف في هذه المعادن وما يخرج من باطن الأرض فيما يحقق مصالح العباد، وهذا أمر مستقر عند علمائنا رحمهم الله ولم يحصل بينهم خلاف في مثل هذا.
ثم لو افترضنا جدلاً أن أحد علماء الدين المعتبرين قال مثل ذلك، فإنما قالها غيرة على الدين من دخول غير المسلمين إلى البلاد وما يجر ذلك من مفاسد، وهذا بحد ذاته عذر شرعي يستحق الاحترام، ثم إن علماء الدين بشر غير معصومين والخطأ وارد عليهم، فلا يجوز بحال انتقاصه، أو الحط من قدره لأجل مسألة واحدة، وكذا لا يجوز انتقاص العلماء الذين في زمانه لأجل خطأ وقع فيه واحد منهم.
إن البعض من المفتونين يريدون أن يحطوا من مكانة العلماء حملت الشريعة المنافحين عنها، فلا يرعون للشرع حرمة، ولا يرعون لما في صدور العلماء من كلام الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- حرمة، ولا يرعون للعقيدة الصحيحة التي يبلغها أهل العلم وينشرونها، لا يرعون لها حرمة، فالواجب على جميع المسلمين التنبه لمقالات بعض المفتونين وعدم الاغترار بهم وبما يقولون ويسطرون، والرجوع دوماً وأبداً إلى أهل العلم الراسخين، والقراءة في كتبهم المنشورة المتداولة والاعتماد عليها في نقل أقوالهم وآرائهم وهي كثيرة ولله الحمد ومتوافرة، لا الاعتماد على كلام من لا يعرف سبقه في الإسلام، ثم إننا والله لنثق بعلمائنا الكبار في أنهم يسعون للإصلاح وأن هدفهم في الحياة نشر الخير، شابت لحاهم في الإسلام وهم يدرسون ويفتون ويعلمون.
ثم تذكر أخي القارئ الكريم أن الله تعالى قيض لهذه البلاد المباركة أوائل القرن الماضي رجلاً فذاً في التاريخ قل نضيره في الوقت المعاصر إنه الإمام الموحد المجاهد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن طيب الله ثراه، الذي نقل هذا البد نقلةً حضارية ووحد أرجائه وجمع شتاته وأخرج الله له كنوز الأرض، وجعل الله الملك له في الأرض ولذريته من بعده، هذا الرجل الذي بنا مملكته على التوحيد والعقيدة، يعرف للعلماء مكانتهم اللائقة بهم، فقد قال لأبنه الملك سعود -رحمه الله- حين ولاه ولاية العهد قال له (أوصيك بعلماء المسلمين خيراً، احرص على توقيرهم ومجالستهم وأخذ نصائحهم)، وقال -رحمه الله- في رسالة أخرى(من عبد العزيز بن عبد الرحمن، إلى من يراه من كافة إخواننا المسلمين، سلمهم الله تعالى، ووفقنا وإياهم للتمسك بالكتاب المبين، وسنة سيد المرسلين، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد: فإن الواجب علينا وعلى كل مسلم النصح لله ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم; أما النصح لله، فتوحيده وحب أوليائه، وعداوة أعدائه، وأما النصح لكتابه، فالإيمان به، والعمل بما جاء به، وعدم تأويله على غير ما أنزل الله, وأما النصح لرسوله، فالإيمان به والاقتداء بسنته، والأخذ بما أمر به.
وأما النصح لأئمة المسلمين، فمنهم الأمراء، ومنهم العلماء؛ فأما الأمراء، فالدعاء لهم بالتوفيق والصلاح، ولزوم جماعتهم، والسمع والطاعة لهم، وعدم الخروج عليهم، ورد القلوب النافرة إليهم، وجمع كلمة المسلمين عليهم.
وأما العلماء، فمحبتهم، والاقتداء بهم، وعدم مخالفتهم، وتوقيرهم، وعدم الاستهانة بهم، وسؤالهم عما مَنَّ الله عليهم من معرفته)أ.هـ.
وأمثلة هذا كثيرة جداً في كلام الملك المؤسس -رحمه الله-وكلام أبنائه البرره، في توقير العلماء والذب عنهم والتحذير من إنتقاصهم.
ونحن على ثقة أن ولاة أمرنا حفظهم الله على نهج أبيهم سائرون، وعلى آثاره مقتفون في حفظ مكانة علماء الدين والذب عنهم وعدم السماح لمن هب ودب في انتقاصهم أو شذبهم من قريب أو بعيد، حفظ الله لنا ولاة أمرنا وحفظ الله لنا علماءنا.
اللهم نسألك سؤال مُلحّ يرجو الإجابة أن تجعل ألسنتنا عفيفة، اللهم اجعل ألسنتنا عفيفة وقلوبنا محبة للمؤمنين، ربنا لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا اجعلنا ممن يتكلم بالخير، اللهم اجعلنا ممن ينطق إذا نطق بالخير ونعوذ بك من لسان يؤول بنا إلى النار، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.