الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين نبينا محمد و على آله و صحبه وسلم … وبعد
تعلم أيها القارئ الكريم أن جمال الدين الأفغاني-رحمه الله- واحد من أولئك النفر الذين خرجوا إلى ساحة العالم الإسلامي في القرن التاسع عشر (1838-1897م) وكان من رجالات السياسة والفكر.
وينظر إليه مريدوه نظرة إجلال وتقدير، وينظر إليه خصومه نظرتهم إلى مهيج كبير كلما حل في دولة طرد منها وذلك لأثره الكبير في الحركات الحرة والحركات الدستورية التي قامت في بعض الدول الإسلامية والعربية آنذك.
وكان الهدف من دعوة جمال الدين الأفغاني -رحمه الله- تحرير الدول الإسلامية من النفوذ الأوربي الاستعماري، والنهوض بتلك الدول نهوضاً ذاتياً من الداخل معتمداً في ذلك على إدخال النظم الحرة إليها.
كما كان يهدف إلى جمع كلمة الدول الإسلامية بما فيها دولة (إيران) الشيعية تحت راية خلافة واحدة ، وإقامة إمبراطورية إسلامية قوية تستطيع الوقوف في وجه الاستعمار الأوربي للدول الإسلامية والعربية ، فكان من أكبر الدعاة إلى الجامعة الإسلامية ومن أشد الناس إيماناً بها.
وكان أول من أصدر الصحيفة العربية التي تسمى (العروة الوثقى) بالإشتراك مع تلميذه الشيخ محمد عبده -رحمه الله-، وكانت تصدر على نفقة مجموعة من الهنود المسلمين ، وموضوعاتها في الغالب عن سياسة الإنجليز في البلاد الإسلامية وخاصةً في الهند ومصر .
وقد كان شعار صحيفة العروة الوثقى:(إيقاظ الأمم الإسلامية خاصة والمدافعة عن حقوق الشرقيين عامة، ودعوتهم إلى مقاومة الاستعمار الأوربي والجهاد في سبيل الحرية و الاستقلال لله تعالى).
البعض من الكتَّاب أو من المؤلفين الذين يذكرون شيئاً من سيرة جمال الدين الأفغاني يذكرون أنه تأثر كثيراً بالشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في دعوته الإصلاحية التي قامت في القرن الثامن عشر الميلادي.
والذي يظهر لي بعد الوقوف على بعض من ترجم لجمال الدين الأفغاني -رحمه الله- أن دعوته تختلف عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- بل ليس بين تلك الدعوتين أي اتصالٍ لا من بعيد و لا من قريب .
فجمال الدين الأفغاني -رحمه الله- دعوته كانت سياسية مناهضة للاستعمار الغربي، ولم يكن عنده في نظري أي توجة لللإصلاح الديني، خاصةً أن الوقت الذي عاش فيه جمال الدين الأفغاني -رحمه الله- كان يعج بالبدع والخرافات والمعتقدات الفاسدة التي لم نلحظ في خطابات أو كتابات جمال الدين أي أنكار لها أو محاربتها لا من قريب أو بعيد .
والشيخ جمال الدين الأفغاني -رحمه الله- تأثر بالتصوف وله آراء حول الاشتراكية، واتهامات صريحة لصحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مثل الخليفة الراشد عثمان بن عفان -رضي الله عنه- ومعاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- وأبي ذر الغفاري -رضي الله عنه-.
كما أن انضمام جمال الدين الأفغاني -رحمه الله- إلى منظمة الماسونية العالمية أثرت تأثيراً واضحاً في أفكاره وآراءه الإسلامية، فكتاباته ورسائله التي كتبها بخط يده تدل دلالة واضحة على أنظمامه إليها.
فمن المعروف أن المنظمات الماسونية في مختلف بلدان العالم تحركها عقول معادية للأديان عموماً و للإسلام بوجه الخصوص، بل إن الماسونية منظمة يهودية كما نقل الدكتور احمد شلبي عن الحاخام إسحاق وايز اليهودي حيث قال في كتابه مقارنة الاديان في الاسلام –اليهودية في الهند–، احمد شلبي، دار النهظة، القاهرة، 1995هـ(324-325): (أهداف الماسونية أو مؤسسة الماسونية نفسها مؤسسة يهودية وليس تاريخها ودرجاتها وتعاليمها وكلمات السر فيها إلا أفكار يهودية من البداية إلى النهاية).
والقائلون بأن جمال الدين الأفغاني -رحمه الله- كان يريد الرجوع بالدين الإسلامي إلى مصادره الأصلية لكن الأوضاع السياسية التي تزامنت مع خروجه بالدعوة الإصلاحية كانت حرجةً جداً ، مما سبب له الخوض في تلك الأمور والدخول في تلك المنظمات ولا سيما المنظمة الماسونية؛ كانوا في الغالب الأعم يحاولون الأعتذار له وتحسين صورته وعده من الإصلاحيين ؟؟
والإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- دعا إلى إخلاص الدين لله، وإزالة كل ما علق به من شوائب الشرك والبدع والخرافات، وحارب وجاهد كل من خالف هدي القرآن الكريم ونهج النبي -صلى الله عليه وسلم- القويم وأصرَّ إصراراً أكيداً على الرجوع بالناس إلى طريقة الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح رحمهم الله.
ثم بعد ما ناصره الإمام محمد بن سعود أمير الدرعية قامت دولة على أثر تلك الدعوة المباركة ولازالة ولله الحمد والمنه تجاهد وتنافح عن دعوة التوحيد وتبذل الغالي والنفيس في سبيل الرجوع بالناس إلى الدين الصحيح، وتجلية ما علق في أذهانهم من شرك وبدع وخرافات وأباطيل .
ولم يكن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في يوم من الأيام داعية سياسياً، أو له أطماع في الحكم والسلطة، والنظر إلى كتب الشيخ ورسائلة التي ألفها -رحمه الله- يجد أنها كلها تدعوا إلى الأصلاح الديني وإزالة شوائب الشرك التي علقة بالناس ووصلهم بالدين القويم على وفق الكتاب والسنة وماكان عليه سلف هذه الأمة رحمهم الله.
وإذا طلبنا الإنصاف في حق جمال الدين الأفغاني -رحمه الله- فنقول لعل المقالات التي كتبها في صحيفة العروة الوثقى عن الإسلام والنهوض به والرجوع إلى القرآن والسنة والتمسك بها تدل على نية صالحة -إن شاء الله- وتغفر له ما ذهب إليه من الآراء والأفكار الأخرى.
هذا والله أعلم وصلى الله و سلم على نبينا محمد…