الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
اعلم أخي القارئ الكريم أن الله سبحانه وتعالى قد حبانا بدين عظيم، وهدانا إلى صراط مستقيم، فيه الغُنيةُ والكفاية، وبه السعادة والهداية، منه الأمن والسلام، وإليه الحبُّ والوئام، من أقبل عليه أعزَّه الله، ومن أعرض عنه أذلَّه الله.
ديننا أيها المبارك قد كمُل بالإسلام، فلا نفتقر بعده إلى رأيِ مخترِع ولا هوى مبتدِعٍ ولا تصويت مقنِّنٍ مشرِّع، وإن النعمة قد تمَّت بالإيمان، فاكتملت الفرحة، وتمَّ السرور فلا نحتاج بعد ذلك إلى موسم بدعي ولا عيد مفرِّح، {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} [سورة المائدة، الآية3].
ديننا أيها المبارك خير الأديان وأفضلها، وأتمُّ الشرائع وأكملها، جمع بين مصالح الأولى والأخرى، قال تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [سورة القصص،الآية77].
ديننا أيها المبارك دين الوسطية؛ لا إفراط فيه ولا تفريط، ولا إسرافَ ولا تقتير، لا غواية فيه ولا رهبانية، ولا غلوَّ ولا تقصير، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [سورة البقرة، الآية 143].
وبعد هذا الكمال، كيف يرضى المسلم لنفسه أن يضيِّع هذه المكانة التي جعلها الله بين يديه، وأن يرضى بالهوان والكتاب والسنة نصبَ عينيه؟!
أم كيف يرضى لنفسه الأبيّة أن يكون مقوداً بعدما كان قائداً، وأن ينقلب مقلِّداً بعدما كان مرشداً؟
كيف يرضى لنفسه أن يصبح ضالاً بعدما كان دالاً، وأن يصير عبداً منفِّذا بعدما كان سيّداً؟ ولكنه قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لتتبعُنّ سَنَنَ من كان قبلكم، شبراً بشر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضبّ تبعتموهم)، قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: (فمن؟!).
أخي القارئ الكريم: ليس بخاف عليك مكرُ اليهود والنصارى بالأمة الإسلامية، ومحاولتُهم القضاء على قيمها ومبادئها الأخلاقية، إنهم يبذلون في سبيل ذلك أعزَّ أوقاتهم وأنفسَ أموالهم، سخّروا لذلك العقول والطاقات، وسطَّروا المناهج والمخططات، ولقد -والله- أصابت سهامهم، وأثخنت رماحهم، كيف لا؟! وقد صرنا اليوم نرى مظاهر ما كنا نراها بالأمس القريب، صرنا نرى التفنّن في السفور والإمعان في التبرّج، صرنا نرى الجرأة على الدين والتبجّح بالمعاصي، ناهيكم عن التشكيك في ثوابت هذه الأمة، وزعزعة مبادئها وأصولها، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
قبل عدة سنوات ليست بالكثيرة كانت المبادئ الأخلاقية والقيم المرضية منتشرة في مجتمعنا، كان الحياء والعفاف هو السائد في هذا المجتمع ولا يزال إن شاء الله على ذلك رغم أنف الحاقدين، وعندما سمحنا للبث الفضائي يدخل بيوتنا ويغزوا عقولنا، ما ذا أصبحت النتيجة، تغيرت المفاهيم وانقلبت الموازين عند البعض من أبناء جلدتنا هداهم الله.
منذ عدة أيام رأينا وفي ظاهرة غربية مستوردة غريبة على بلدنا ومجتمعنا وديننا، ظاهرةٌ يروج لها ومع كل أسف بعض السفهة من أبناء المسلمين هداهم الله، تشبهاً باليهود والنصارى الذين سوقوا لهذه الظاهرة ونشروها بين أوساط ضعفة الإيمان من المسلمين، وفي كل عام يروج لها بهدف أن يتقبلها هذا المجتمع المحافظ، أو أن ينشأ الجليل الجديد غير مستنكر لها، إنها ظاهرة تسمى بعيد الحب، عيدٌ سموه بغير اسمه تدليساً وتلبيساً، سموه عيد الحب وهو في الحقيقة عيد الخنا والرذيلة والعهر، ينشرون الرذائل في أثواب الفضائل {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [سورة الأنفال، الآية30].
فهل تعرف أخي القارئ الكريم حقيقة هذا العيد الفسقي البدعي الكفري؟! أتدري ما قصته وتاريخه؟!
زعموا أن الرومان الوثنية كانت تحتفل في يوم 15 فبراير من كل عام، وكان هذا اليوم عندهم يوافق عطلة الربيع، وفي تلك الآونة والنصرانية في بداية دعوتها أصدر الإمبراطور كلايديس الثاني قراراً بمنع الزواج على الجنود، وكان رجل نصراني راهب يدعى فالنتاين تصدى لهذا القرار، فكان يبرم عقود الزواج خُفيةَ، فلما افتضح أمرُه حُكم عليه بالإعدام، وفي السجن وقع في حب ابنة السجّان، وكان هذا سرّاً لأنَّ شريعة النصارى تحرّم على القساوسة والرهبان الزواج وإقامة علاقات عاطفية، ولكن شفع له لديهم ثباتُه على النصرانية، حيث عرض عليه الإمبراطور أن يعفوَ عنه على أن يترك النصرانية ويعبُد آلهة الرومان، ويكون لديه من المقربين ويجعله صهراً له، إلا أنه رفض هذا العرض وآثر النصرانية، فأُعدم في يوم الرابع عشر من فبراير عام 270ميلادي ليلةَ الخامس عشر من فبراير الذي يوافق عيد الرومان، ومن ذلك الحين أطلق عليه لقب القديس. وبعدما انتشرت النصرانية في أوربا أصبح العيد يوم الرابع عشر من فبراير، وسمي بعيد القديس فالنتاين، إحياءً لذكراه، لأنه فدى النصرانية بروحه، وقام برعاية المحبين هكذا زعموا.
هذه هي قصة هذا العيد، ومع ذلك وللأسف الشديد غُرِّر بكثير من شبابنا وفتياتنا لضعف إيمانٍ من بعضهم، وجهلٍ وغفلةٍ من آخرين، ونقصِ توجيهٍ وإرشادٍ من أولياء أمورهم، غُرّر بهم فاغترّوا بهذا العيد، وراحوا يحتفلون به ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ومن مظاهر ذلك لبسُ الفساتين الحمراء، وانتشار الورود الحمراء، وتبادل التهاني والتحيات، والهدايا والبرقيات، وتذكر الزوجات والخليلات، بل عَدُّوا ذلك من علامات الإخلاص في الحب، وأن من لم يهنِّئ زوجته في ذلك اليوم، أو لم يهد لها هدية فليس بمخلص لها في حبها، فإلى الله المشتكى.
ألا فليعلم هؤلاء وليعلم كل مسلم أن الاحتفال بهذا العيد من أعظم البدع الكفرية، وأنه محرّم في دين الإسلام، لا خلاف في ذلك بين أهل العلم المعتبرين.
ثم لو كان هذا العيد من إحداث المسلمين لكان الاحتفال به حراماً لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) ، ولقوله -صلى الله عليه وسلم- لما جاء إلى المدينة ووجد أهلها يلعبون في يومين هما من أعياد الجاهلية: (إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر)، قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "استُنبِط منه كراهة الفرح في أعياد المشركين والتشبه بهم، وبالغ الشيخ أبو حفص الكبير النسفي من الحنفية فقال: من أهدى فيه بيضة إلى مشرك تعظيما لليوم فقد كفر بالله تعالى"أ.هـ كلام الحافظ ابن حجر -رحمه الله-.
فلو كان هذا العيد من ابتداع المسلمين لكان الاحتفال به حراماً فكيف وهو من ابتداع الكافرين الضالين؟!
واعلم أيها المبارك أن الأعياد من شعائر الأديان، فمن دان بدين احتفل بأعياده، ولم يحتفل بأعيادِ سواه، واعلموا أن للانحراف طرقا وللضلال سبلاً، أخصرها موالاة الكفار، فإن كان للموالاة دليل، فدليله تقليدهم، فإن كان للتقليد عنوان، فعنوانه الاحتفال بأعيادهم.
فكيف يرضى مسلم بعد ذلك؛ كيف يرضى لنفسه ولمن يعول ويرعى أن يحتفل بعيد فسقي بدعي كفري، عيد الحب المزعوم؟! كيف يرضى أن يحتفل بعيد القسيس فالنتاين الذي كان يسبّ الله صباحَ مساء ويقول: إنه ثالث ثلاثة، وإنه اتخذ صاحبة وولداً، تعالى الله عما يقول الأفاكون علواً كبيراً.
ألم تسمعوا إلى قول الله عز وجل: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً * وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً * إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} [سورة مريم، الآيات 88-95] .
فاحذر أيها المبارك، احذر أن تكون السماء والأرض والجبال أغيرَ منك على الله تعالى، احذر أن تكون هذه الجمادات أفضل منك إذا أنت لم تكترث لما يقوله الأفاكون المبطلون، فرُحْت تحتفل بهذا العيد أو بغيره من أعيادهم الباطلة الزائفة.
أيُّ حبٍّ هذا الذي يحتفل به أعداء الإنسانية بل أعداء أنفسِهم؟ إنه مهما تكلم الضالون عن الحب فإن إجرامهم يفضحهم، ومهما مجَّدوه وعظَّموه فنحن أولاهم به، نحن أولى الناس بالحب؛ عَقْدُ الدين مبني عليه، وأساس الإيمان راجع إليه، لا يؤمن أحدٌ ولا يأمن حتى يحب الله، ويحب دينه وأحكامه وشريعته، ولا يؤمن أحد ولن يأمن حتى يحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويحب آله وأزواجه وصحابته، لا يؤمن أحدٌ حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير.
المسلم يحب الخير وأهله، ويحب الخير للناس. المسلم يحب والديه فيبرهما ولا يعصيهما، يأويهما ولا يرميهما، يرعاهما ولا يلقيهما في ديار العجزة كما هو حاصل في بلاد الغرب.
المسلم يحب أبناءه فيعولهم ولا يضيِّعهم، ويعدل بينهم ولا يظلمهم، ويرشدهم ولا يطردهم. المسلم يحب زوجته فيحترمها ولا يحتقرها، ويوفيها حقها ولا يبخسها، ويعينها ولا يستغلها. المسلم يحب إخوانه فينصحهم ولا يفضحهم، ويدعوهم ولا يقصيهم، ويحفظ أعراضهم ولا يغتابهم. المسلم يحب نساء المؤمنين، يحبهن فيدفع الأذى عنهن ولا يؤذيهنّ، يحبهن فيحترمهنّ ولا يخلو بهن، يحبهم فيغض بصره عنهن ولا يسلّطه عليهن.
أخي القارئ الكريم: للحب عند المسلمين معنى عظيمٌ شريف، ضرب قدوتنا وحبيبنا المصطفى -صلى الله عليه وسلم- أروع الأمثلة للحب، فهذه الصديقة بنت الصديق تحكي لنا وفاءَه -صلى الله عليه وسلم- الصادق المستمر لخديجة -رضي الله عنها- فتقول: ما غرت على امرأة للنبي -صلى الله عليه وسلم- ما غرت على خديجة، هلكتْ قبل أن يتزوجني بثلاث سنين، من كثرة ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إياها، وإن كان ليذبح الشاة فيهدي في خلائلها ـ أي صديقاتها ـ منها ما يسعهن، هذا هو الحب الراسخ الذي يدل على صدقه العمل الصالح.
ومن حرصه -صلى الله عليه وسلم- على هذه المعاني العظيمة دلَّ أمَّته إلى ما يحقِّق لهم الحبَّ فيما بينهم، وأعظم من ذلك أنه جعل -صلى الله عليه وسلم- دخول الجنة معلقا على تحقيق هذه الخصلة الكريمة، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟! أفشوا السلام بينكم) ، وقال -صلى الله عليه وسلم- مبينا سببا آخر لتحقيق الحب: (تهادَوا تحابُوا) ، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه) وفي أحاديث كثيرة تبيِّن حرصه -صلى الله عليه وسلم- الشديد على إفشاء الحب في المجتمع، والحث على الأسباب المعينة عليه، والتحذير من كل ما يضعفه أو يذهبه.
أخي القارئ الكريم: هذه رسالة محبة لك، {لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [سورة آل عمران، الآيات 197]، لا يغرنك ما هم عليه، فإنها دنيا زائلة، {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [سورة الأعلى، الآية 17]، واحذر هذه الأعياد البدعية الكفرية، وحذر الناس منها، اعتزَّ بدينك، وتميَّز عن الضالين من غيرك، اربأ بنفسك أن تسير على آثارهم، أو تتأثر بأفكارهم، واسأل الله دائما العافية والهداية والتثبيت.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.