مما تسعى إليه وزارة التعليم العالي في المجال الأكاديمي الرفع من مستوى الجامعات السعودية والدفع بها إلى النجاح وجعلها في مصاف الجامعات العالمية، فوفرت البرامج والمشاريع التي تهدف إلى تنمية الإبداع والتميز لدى عضو هيئة التدريس، وذلك إيماناً من القائمين على الوزارة وعلى رأسهم معالي الوزير الدكتور/ خالد بن محمد العنقري بضرورة عقد مثل هذه الدورات التأهيلية التي تعود بالنفع على مخرجات التعليم العالي.
لكن السؤال المهم في هذا الجانب: هل تسعى الجامعات للاستفادة من هذه المشاريع والبرامج التأهيلية بالشكل المرضي والذي يحقق نموها وتطور منسوبيها؟
إن المتأمل في حال بعض الجامعات يجد أنها قامت بتحويل مثل هذه البرامج إلى برامج سياحية أشبه ما تكون بالمكافئة، فسلبت من هذه البرامج الهدف المرجو من ورائها، فترى التزاحم على البرامج المقامة في ماليزيا وبريطانيا ومصر وغيرها من الدول في حين لا تجد من يقبل بدورةٍ تدريبيةٍ تقام في ربوع هذه البلاد، فالجامعة توفر تذاكر السفر والانتداب وتكلفة الدورة التي تصل في أحيان كثيرة إلى أكثر من خمسة آلاف دولار أمريكي، في حين أنها لا تهتم كثيراً بنوع تلك الدورات ولا حتى بالسؤال عن كفاءت المراكز المقيمة لها.
هذا الأمر المخجل تنبهت له بعض الجامعات فقامت مشكورة بوضع بعض الضوابط والمعايير للحد من هذا التجاوز؛ إذ الهدف الذي ترمي إليه وزارة التعليم العالي هو تأهيل عضو هيئة التدريس بالجامعة ورفع مستواه العلمي والإداري، إضافةً إلى نقل وتوطين المعرفة لبلادنا الحبيبة، وعبر أكثر أفراد شعبها ثقافة ومعرفة في مجال التخصص العلمي، فيتحقق بذلك النجاح المنشود لجامعاتنا السعودية.
إن الجامعة الناجحة هي التي تسعى للرفع من مستوى عضو هيئة التدريس؛ إذ هو قلب الجامعة النابض وهو من يقوم بالعملية التعليمية فيها، وهو أيضاً منبع العطاء العلمي والبحثي في الجامعة، وهو الذي يحركها نحو التميز والإبداع في جميع المجالات، فما قيمة الجامعة دون تفعيل دور عضو هيئة التدريس فيها؟ وما هو دور إدارة الجامعة إذا تم تهميش أعضاء هيئة التدريس ولم يؤخذ برأيهم فيما من شأنه الرقي بالمستوى الأكاديمي وكما تنص على ذلك اللوائح والأنظمة الموحدة للجامعات السعودية؟
إن الجامعة الناجحة هي التي تهتم بالاختيار العلمي الدقيق لأعضاء هيئة التدريس بدءاً من المعيدين وحتى الأساتذة بما يخدم مسيرة بلادنا التعليمية ويغار على مقدساتنا ويقوي المخرجات التعليمية لأبنائنا وبناتنا، لا ما يقوم على المحسوبيات والوساطات التي يعود ضررها في المستقبل القريب على جامعاتنا.
إن الجامعة الناجحة هي التي توفر لعضو هيئة التدريس فرص البحث العلمي، من خلال المساعدة في نشر البحوث العلمية، وتوسيع أوعية النشر، والبعد كل البعد عن تضييق نطاق تلك الأوعية، وهذا ما أكد عليه وكلاء الجامعات السعودية للدراسات العليا والبحث العلمي في اجتماعهم الأول والذي انعقد في رحاب جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، واجتماعهم الثاني الذي انعقد بجامعة جازان؛ حيث أكدوا على أهمية توسيع نطاق أوعية النشر العلمي، وحثّ أعضاء هيئة التدريس بالجامعات السعودية لنشر نتاجهم العلمي مع مراعاة المرونة والسرعة في النشر والتحكيم.
إن الجامعة الناجحة هي التي تهتم بطلابها فتبث روح التنافس بينهم، وتضع الطالب المناسب في التخصص المناسب، دون إغفالٍ لرأي القسم المختص.
إن الجامعة الناجحة هي التي تحافظ على مكتسباتها وترعى مصالحها وتسعى في تنمية روح التعاون بين أفرادها فلا تفرقة ولا تمايز وإنما العمل بروح الفريق الواحد الذي يهدف إلى تطوير العمل الأكاديمي والرقي به إلى أعلى المستويات.
إن الجامعة الناجحة هي التي تؤمن بأهمية المحافظة على التوازن في صرف الميزانية العامة لها، فلا ينفق ريال واحد إلا ويقع في مكانه المناسب وفق الخطط والاستراتيجيات المدروسة، مع العلم أن مال الجامعة مال الدولة لم يمنح لشخص بعينه ينفق منه كيفما شاء ولمن شاء، وإنما خصصه ولاة الأمر حفظهم الله لدعم مسيرة التعليم فيها، فالأمانة تقتضي وضع الشيء في محله، والإنفاق دون تبذير ولا إسراف، وبذلك يتحقق الإنتماء الوطني الحقيقي.
إن الجامعة الناجحة هي التي تحافظ على الأنظمة واللوائح وتقوم بتطبيقها والإلزام والالتزام بها مع حفظ حق المجالس العلمية في الرأي والمشورة فلا نجاح مع كسر هذه الأنظمة وتجاوزها والإلتفاف عليها، ولا طموح بأن نكون في مصاف الجامعات العالمية إذا ما فرضنا الرأي المخالف لتلك اللوائح.
إن التفنن في مخالفة لوائح القبول والتسجيل ولوائح الدراسات العليا واللوائح الأكاديمية الأخرى الموحدة بين الجامعات السعودية دليل على الفشل الذريع في العمل الأكاديمي، فولاة الأمر -أيّدهم الله- وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين والنائب الثاني حريصون على تطبيق تلك اللوائح ولا يرضون أبداً بأي مخالفة؛ لأنها تكفل للجميع العدل والمساواة فلا ظلم ولا تجنّي؛ بل يتحقق المقصود من فرضها والإلزام بها، فالمواطنة الحقة تقتضي موافقة الأقوال للأفعال، وعدم مخالفة ولاة الأمر فيما يحقق مصالح العباد.
أخي القارئ الكريم أنا على ثقة أن ولاة الأمر –أيّدهم الله- يتابعون بكل دقة مسيرة التعليم العالي ويسعون إلى جعل جامعاتنا مما يُضرب بها المثل في الجانب الأكاديمي؛ فيُقَيِّمون كل اعوجاج يمارس بحجة أو بدون حجة، ويأخذون على يد المخالف ويأطرونه على الحق أطراً ويقصرونه على الحق قصراً.
أسأل الله تعالى أن يوفق ولاة أمرنا لكل خير وأن يرزقهم الرجال الصالحين المصلحين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.