الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
جاءت هذه الشريعة الغراء بكل ما فيه صلاح العباد في الدنيا والآخرة، فأباحت للناس الطيبات، وحرمت عليهم الخبائث، وشرعت لهم الوسائل والطرق ليطلبوا بها المال الحلال والرزق المبارك، فأباحت معاملات البيوع والشراء والإجارة والشركة وأنواع الحوالات والضمانات والمساهمات وغيرها من المعاملات وفق ضوابطٍ شرعية وآدابٍ مرعية.
وفي المقابل حرمت هذه الشريعة الخالدة ظلم الناس وأكل أموالهم بالباطل، سواءً كان ذلك الظلم باسم البيع والشراء أو كان غير ذلك، يقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} [النساء:29].
إن أكل أموال الناس بالباطل، والتحايل على ذلك بشتى الوسائل والحيل الملتوية من أعظم الظلم الذي حذرنا الله منه، بل هو من طبيعة ضعفاء الإيمان، انظر أخي القارئ الكريم كيف يحذر النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته من أكل أموال الناس بالباطل، يقول -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: «اتدرون من المفلس، قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال -صلى الله عليه وسلم-: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار». نسأل الله تعالى السلامة والعافية.
فمن لا يتورع في بيعه وشراءه ويبتعد عن كل ما يضر بالآخرين في أموالهم أو ممتلكاتهم فهو على خطر عظيم ومتوعد بأشد الوعيد يوم القيامة.
فالبعض من الناس هداهم الله يتصور أن له أن يفعل ما يشاء دون أن يهتمَّ هل تضرر الآخرون من فعلي هذا أم لا؟
وهذا في الحقيقة من تلاعب الشيطان وتغريره بهم، إذ المؤمنون كل جسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى وهم أيضاً كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً كما أخبر بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلا يجوز الإضرار بالناس في ممتلكاتهم وأموالهم، والشريعة الإسلامية جاءت لحفظ الضروريات الخمس ومنها حفظ المال، فلا نتسبب بالضرر لأنفسنا أو نسببه لغيرنا فالقاعدة الشرعية في هذا تقول لا ضرر ولا ضرار.
انشغال الناس عن واجباتهم الدينية بسبب الأسهم:
من الملاحظ أن البعض من الناس هداهم الله قد فرّطوا في بيوتهم، وانشغلوا عن واجباتهم الأسرية بالأسهم إلى حد أن يصل الأمر إلى فوضى داخل الأسرة، وحدوث إشكالات كثيرة، ونزاعات خطيرة بين الزوج والزوجة بسبب الأسهم.
وكم تساهل الناس في الطاعات والعبادات ورأينا أقواما تركوا صلة الرحم والاجتماع بالقرابة وقضاء حقوق الوالدين لأجل العكوف في صالات الأسهم أو أمام جهاز الحاسب يقول -صلى الله عليه وسلم-: (قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً وقنه الله بما آتاه). والقناعة أعظم كنز وإذا رزق العبد القناعة أشرقت عليه شمس السعادة كما يقال.
ومن صور انشغال الناس بالأسهم عن الواجبات الشرعية التقصير في النفقة الواجبة على الأهل والعيال. فمن صور الرحمة ومن صور التكافل الاجتماعي، أن أوجب الله على الرجل القادر أن ينفق ويطلب المال لكي يعيل أهله ويوفر لهم سبل الراحة والاستقرار، فإن المال عصب الحياة: {وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة233]
وقد جاءت النصوص الشرعية ببيان وجوب النفقة على العيال والزوجة ومن يعول من والد أو ولد، والتحذير من التفريط في ذلك، بل رغبت في الإنفاق على الأهل والعيال وأنها من الإنفاق في سبيل الله، ومن أعظم وجوه الخير التي ينفق فيها.
وجاء الوعيد على من ضيع من يعول، فقد جاء في صحيح مسلم (كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوته)، وجاء في رواية الترمذي (كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت)
وجاء في حديث طويل متفق عليه أن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال لسعد بن أبي وقاص-رضي الله عنه-: (وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أُجرت بها حتى ما تجعل في فِي امرأتك) متفق عليه.
هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد،،،