عبد الله الداني - جدة:
جريدة عكاظ يوم الخميس 2/6/1432هـ
أوضح أستاذ الفقه المقارن المشارك بالمعهد العالي للقضاء في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور هشام بن عبدالملك بن عبدالله بن محمد آل الشيخ أن الحاجة في هذا الزمن دعت إلى تفعيل دور المجامع الفقهية والمؤسسات العلمية التي تجمع نخب العلماء والفقهاء في الشريعة للنظر في المسائل المعاصرة، وما يحتاجه المجتمع المتحضر من رؤية شرعية معاصرة يتفق عليها العلماء، وتكون محل النظر والمناقشة العلمية الجادة، ومن ثم الخروج بنتيجة تتناسب مع الزمان والمكان. وأضاف «من هذا المنطلق انتشر في العالم الإسلامي المؤسسات العلمية والمجامع والهيئات الشرعية الرسمية وغير الرسمية التي تمثل ما يسمى بـ «الاجتهاد الجماعي»، وكان الهدف الرئيس منها هو جمع الكلمة والوصول إلى الحق بعد التشاور والتحاور بين المختصين في المجالات الشرعية، وهذا هو المقصود من المجمع الفقهي السعودي الذي أمر به خادم الحرمين الشريفين».
وزاد «في ظل حياتنا المتطورة ماديا واختلافها عن الأزمنة السابقة، ظهرت على الساحة السعودية قضايا شغلت بال المواطنين، فالعصر الحاضر يختلف عن العصور الماضية اختلافا كليا؛ وذلك لأن كثرة الفتن وظهور المخترعات الحديثة والاكتشافات التي أبهرت العالم جعلت العلماء والمجتهدين يقفون متأملين في هذه المخترعات وهذه المكتشفات، وكان لابد من وضع ضوابط وشروط للاجتهاد في هذا العصر تضاف لشروط الاجتهاد المعروفة عند فقهائنا».
وأوضح أن مايطلق عليه فقهيا المعاصرة في الاجتهاد تتطلب مراعاة الظروف الاضطرارية أو الحاجية، عملا بالقواعد الشرعية، مثل: الضرورات تبيح المحظورات، والضرورة تقدر بقدرها، ومتى تنزل الحاجة منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة، والعامة التي يحتاج إليها جميع الناس، والخاصة التي يحتاج إليها طائفة معينة من الناس، كما أنه في هذا العصر يتطلب من العالم لبلوغ رتبة الاجتهاد احترام النص، وتقدير مدى ملاءمة المصلحة لمصالح الشريعة، والاعتماد على مبدأ التوسع في فهم النص القرآني أو النص النبوي، والعناية بالحديث متنا ودراية وفهما.
التغيرات الاجتماعية
وبين آل الشيخ أن المعاصرة في الاجتهاد يراعى فيها التغيرات الاجتماعية والسياسية العالمية، مثل أوضاع المجتمع الدولي الحديث وكثافة السكان وكثرة المسلمين، وبخاصة في أداء مناسك الحج ورمي الجمار وما يحصل من زحام شديد، والذبائح وضرورة الاستفادة منها وتوزيعها بين المحتاجين من المسلمين، سواء داخل البلد المضحى فيه أو في خارجه، والانفتاح على الثقافة الحديثة والمعارف والعلوم العصرية التي أصبح من المهم جدا معرفتها، وفي طليعتها علوم الطب والكيمياء والفلك، والميل نحو الأخذ بالأيسر والأسهل، والتخفيف في إصدار الأحكام الشرعية بسبب قلة التدين، وضعف الهمة الدينية عند كثير من الناس اليوم، عملا بما قامت عليه الشريعة من مبدأ السماحة واليسر والسهولة، الذي دل عليه قول الله تعالى: «وماجعل عليكم في الدين من حرج»، وقوله «يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر».
وعاد للقول مجددا «مما لا شك فيه أن تأسيس المجمع الفقهي السعودي الذي أمر به خادم الحرمين الشريفين يضع حدا للحديث النظري ويقودنا إلى التطبيق العملي لفكرة الاجتهاد الجماعي»، مضيفا «في تصوري فإن المجمع الفقهي السعودي يجب أن يتميز بخصائص تجعله مؤهلا للقيام برسالته التي أشار إليها أمر خادم الحرمين الشريفين».
وأوضح أن تلك الخصائص هي تقوى الله في الفتوى؛ وذلك بالجمع بين الحجة الشرعية والبرهان الجلي والدليل الصحيح من جهة، والخشية القلبية والإخلاص في النية من جهة أخرى من خلال اختيار الحكماء من علماء وفقهاء المملكة لمدارسة المسائل المستجدة والنوازل الطارئة بعيدا عن الاجتهادات الفردية أو المنفردة التي قد تتأثر بالشخصية الذاتية وبالعوامل البيئية وبالظروف الاجتماعية، وكذلك الوسطية في الفتوى بامتزاج آراء الفقهاء والمجتهدين في المملكة مع اختلاف بيئاتهم وتنوع مدارسهم الفكرية، والوسطية لا تقوم إلا إذا تم الحفاظ على المقاصد الكبرى وقواعد الشريعة من جهة والمرونة في الوسائل والآليات؛ تحقيقا لمبدأ الارتباط بالأصل والاتصال بالعصر.
التعصبات والنزاعات
وبين أن ثالث تلك الخصائص التخصص الدقيق والعلم الصحيح النافع بعيدا عن التعصبات الفردية أو النزعات الفكرية أو التشددات الشخصية أو التساهلات الفقهية.
وشدد على آخر الخصائص المطلوب توافرها في المجمع الحيادية والتحرر من الضغوط السياسية والاجتماعية، بحيث يتم إبداء الرأي بصراحة تامة، ويصدر القرار بشجاعة مطلقة بلا ضغط من أي جهة. وأكد أن الشرع المطهر لم يقف حجر عثرة في طريق التقدم العلمي، مشيرا إلى أن الدين الإسلامي دعا المسلمين إلى تسخير الحضارة الحديثة لما يخدم مصلحة الدين ويعود على الفرد والمجتمع المسلم بالخير والسعادة في الدنيا والآخرة، وفي المقابل نهاهم عن كل ما يفسد الدين والأخلاق حتى تطهر نفس المؤمن من دنس الرذيلة وشؤم المعصية.