اتقوا الله تعالى عباد الله، وراقبوه في السر والنجوى، واعلموا عباد الله أن من المطالب المهمة التي تهنأ وتحلو وتلذّ بها الحياة مطلب الأمن؛ إذ لا حياة هانئة بدون أمن، كيف يهنأ الإنسان في حياته والخوف يحيط به من كل جانب.
عبادَ الله، إنّ القلبَ ليحزن وإن العقلَ ليذهَل حين يرقُب المسلم هذه الأحداثَ التي ابتُليت بها هذه البلاد من أقوامٍ ضلّوا الطريقَ وتلوّثت عقولهم بأفكارٍ خاطئة، أعمال مهما كان فاعلها ومهما كانت حجّتُه ودافعه فهي تتضمّن مفاسدَ كبيرة وشروراً عظيمة، تحمل بين جنباتها استعداداً لقتلِ الأنفس المسلمة ظلماً وعدوانا، قال الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً}، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لن يزال المؤمن في فُسحةٍ من دينه ما لم يُصِب دماً حراماً) أخرجه أحمد والبخاري، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لزوالُ الدنيا أهون على الله من قتل رجلٍ مسلم) أخرجه الترمذي، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لو أنّ أهلَ السماء وأهلَ الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبَّهم الله في النار)، وحين قتَل أسامة بن زيد رجلاً تأوُّلاً بعد أن سمعه ينطَق بالشهادة قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أقتلتَه بعد أن قال: لا إله إلا الله؟!).
إنّ هذه التجهيزات الإرهابية الشيطانية والأعمالَ التي تصاحبها لا تقوم على أساسٍ شرعيّ، ولا تقبلها العقولُ السليمة والفِطر السويَّة، وهي فِعلة مستهجَنة شنعاء، تتضمّن البغيَ والظلم، فليس من أخلاق المؤمن الإقدامُ على التعبئة العامة ضد ولي الأمر والخروج عليه وشق عصى الطاعة ومفارقة الجماعة، بل هذه من أخلاق أهل الجاهلية الأولى.
في هذه الأعمالِ حملُ السّلاح على المسلمين وقد أخرج البخاريّ ومسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:(لا يشير أحدُكم على أخيه بالسلاح؛ فإنه لا يدري لعلّ الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرةٍ من النار).
في هذه الأعمالِ مفارقةُ الجماعة وشقُّ عصا الطاعة، وهي كبيرة من الكبائر، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من خرج من الطاعة وفارق الجماعةَ فمات مات ميتةً جاهلية) أخرجه مسلم، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (من فارق الجماعةَ شبراً فقد خلع رِبقةً الإسلام من عُنقِه) أخرجه أحمد وأبو داود، وهذا الفعل مطابق لفعل الخوارج الأوائل الذين بغوا في عهد الصحابة رضي الله عنهم فقاتلهم الصحابة وأمروا بقتالهم، امتثالاً لأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حيث قال عنهم: (يخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم، فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة). أخرجه الشيخان.
في هذه الأعمالِ اعتداءٌ على رجال الأمن، وهذه جريمةٌ كبرى؛ لأنهم في الأصل مسلمون، والمسلم في شريعة الإسلام معصومُ الدمِ والعِرض، ولا يختلف المسلمون في تحريم الاعتداء على الأنفسِ المعصومة، ومهما كان من معاصٍ وأخطاء فليس هذا من الإصلاح في شيء.
في هذه الأعمالِ إشاعة الهلَعَ وإثارة الفزع، وتأجيجُ نارَ الفوضى، وخطورةُ ذلك لا تخفى على أهل الإيمان، تشعِلُ شرارةَ فتنةٍ داخلية، تُدمَّر فيها الطاقات، وتهدَر فيها المكتسبات، وتُشتَّت الجهود، وتعيق بناءَ الخير والتنمية، وتُعطِّل مشاريعَ الإصلاح، وتشوّه مناشِط الخير وما يرتبط بها.
إنّ التفريطَ في أمن المجتمع تدميرٌ له ولمكتسباته ودعائمه، لذا يجب علينا جميعاً أن نسعَى للحفاظ على هذا الأمن وذلك بتقوى الله أولاً ثم الالتزام بكل ما جاء عن الله تعالى وعن رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
عباد الله: بيَّن القرآن الكريم أنّ سمةَ المنافقين زعزعةُ أمن المجتمع والإفساد فيه وإشاعةُ الفتنة بدعوى الإصلاح، قال الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ}.
إذا تفيَّأ المجتمعُ ظلالَ الأمن والأمان وجدَ لذّةَ العبادة وذاق طعم الطاعة، ويكون الطعامُ هنيئاً والشراب مريئاً والعيشة مطمأنة، فالأمن مطلَبٌ أساسٌ لجميع الناس، خاصّة في المجتمعات المسلمة التي تتمتّع بالإيمان، إذ لا أمنَ بلا إيمان، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من أصبح منكم آمِناً في سِربه معافًى في بدنه عنده قوتُ يومه فكأنما حِيزت له الدنيا).
بالأمن عباد الله تُعمَّر المساجِد، وتُقام الصلوات، وتُحفَظ الأعراض، وتؤمَّن السُبُل، وينشَر الخير، وتقام الحدود، وتنتشر الدعوة، وتُطبَّق الشريعة، وإذا اختلَّ الأمن حكم اللصوصُ وقُطّاع الطرق.
عباد الله: على الجميع أن يُحِسّوا بواجبهم الشرعيّ لرأب الصَّدع في البناء، ومعظَم النار من مستصغَر الشرر، وإنّ فتناً عظيمةً في أُممٍ ماضيةٍ ودُوَلٍ حاضرة كان أولّها شرارةً يسيرة، تساهل أولو العلم والرأي في إطفائِها، فألهبت الأرض جحيماً لا ينطفئ ودماً لا ينقطع وفتنةً تركت الحليم حيراناً.
أمنُ الفردِ عباد الله جزءٌ من أمنِ مجتمعه، وتوطيد الأمن يستلزم أن يؤدّيَ كلّ فردٍ مسؤوليتَه في حِفظ الأمن، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (كلُّكم راع، ولكّكم مسؤول عن رعيته).
إنّ شناعةَ الجريمة التي أقدم عليها خوارج هذا العصر الأنجاس الأرجاس جليّة لا تكتنفُها شبهة، وناصعة لا شكَّ فيها، {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}
بماذا سيجيبون عن دماءِ المسلمين التي سالت، وأشلاء بريئةٍ تناثرت، وأفعالٍ طار بها العدوّ فرحاً وأحدثت شرخاً في لُحمة المجتمع وبنائه الداخلي؟!
إنّ الأمّة تعيش مآسيَ في مشارق الأرض ومغاربها، فلِمَ ينبري فئامٌ من بني جلدتِنا لإيقاد فتنٍ داخلية ومصائب لا مسوِّغ لها؟! لن يكونَ فيها كاسبٌ سوى العدوّ المتربِّص، وسنبوء جميعاً بآثارها، ونُلذع بشَررها.
إن التواطؤ مع الجهات الخارجية عباد الله ضد بلاد الإسلام، مثلبة عظمى، ومنقصة كبرى، إذ فيها إدخال الوهن على بلاد الإٍسلام، وأهله، وهذا كصنيع المنافقين مع اليهود، ضد النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه في المدينة، وكذلك التواطؤ مع المشركين ضد أهل الإسلام، ومن كان في قلبه إيمان صحيح، فلا يمكن أن يتعاون على أهل الإسلام وبلاد الإٍسلام.
الأمّةُ عباد الله تضجّ ألماً وتكتوي لوعةً وأسًى، ويشتدّ البلاء ويعظُم الخطب حين يُحدَث الخرق من الأقربين، والتاريخُ بأحداثه على مرِّ العصور يكشِف للأمّة أن أبرزَ مصائبها ولأوائها وخلخلةِ أركانها دبّ من داخلها، قال تعالى: {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً}.
عباد الله: إن من أعظمِ أسباب الفِتن الذنوبُ والمعاصي التي تزيل النعمَ وتجلِب النقَم، والواجب على الأمّة كلِّها صغاراً وكباراً حكَّاما ومحكومين التوبةُ إلى الله والرجوع إليه، قال الله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}، وقال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
الأمّة إذا أرادت الأمنَ والأمان والسّلامة والاستقرار، فلا بدّ أن تتّقيَ الله وتلتزم جادّةَ الاستقامة والطاعة لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- على المنهج القويم منهج السلف الصالح رضوان الله عليهم، وإنّ التحصينَ لشبابنا هو ترسيخُ المنهج الوسَط للإسلام، ونشرُ العلم الشرعي في المدارس والجامعات والمساجد، ونبذُ الأفكار المنحرفة المتشدّدة أو المتساهلة، مع عدم إرسالِ التُّهَم دونَ تأنٍّ وتثبُّت، أو تعميم الأخطاءِ والتشكيك في منابِر الدعوة والإصلاح.
نسأل الله تعالى أن يحفظَ علينا أمننا وإيماننا وسِلمَنا وإسلامنا، وأن يعيذَنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، كما أسأله أن يرينا الحقَّ حقاً ويرزقنا اتّباعه، ويرينا الباطلَ باطلاً ويرزقنا اجتنابه إنه سميع مجيب.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم،،،