عَرفت المجتمعات العربية ما يسمى باللجان المشكلة لحل قضية ما إبان الحملات الاستعمارية منذ قرابة القرنين من الزمان، فكانت بريطانيا ترسل اللجان لتهدئة الوضع في الدول العربية، إلا أن تلك اللجان لم تنجح ولم تؤتِ ثمارها.
هذا على الصعيد السياسي، أما على الصعيد التعليمي وخاصةً العالي منه، فإن كثرة اللجان في الجهة الأكاديمية التي تحكمها اللوائح والأنظمة توحي بخللٍ إداري وعدم قدرةٍ على القيادة الأكاديمية، إذ إن من المقرر بل من المسلم به في علم الإدارة أن كثرة تشكيل اللجان دليل على الفشل الإداري لدى المنظمة أو الجهة المشكِلة لهذه اللجان أو ربما لصاحب القرار.
فاللجان في الغالب الأعم تحول النظام واللوائح إلى فوضى، فإذا ما أراد المرجع الأكاديمي تجاوز النظام واللوائح الموحدة للجامعات السعودية فعليه باللجنة الفلانية، وإذا ما أراد تمرير قناعاته وتصفية حساباته فعليه باللجنة الفلانية، وهكذا دواليك، حتى كادت تتجاوز اللجان المشكَلة في إحدى الجامعات وفي قرار واحد أربعين لجنة!!!.
مما يوحي بضرورة إنشاء إدارة عامة للجان تتولى عمل التنسيق والمتابعة وتضع آلية خاصة لصرف مستحقات أعضاء اللجان والحرص على عدم تأخرها.
البعض من المستفيدين من تلك اللجان يظن أن لها دوراً في تحسين سير العمل الأكاديمي وتذليل الصعوبات والعقبات التي تواجهه، والقضاء على سلطة اللوائح الموحدة، ويظن أن في اللجان توزيع الأعمال ومتابعتها، والحصول على صيغة موحدة من أفراد يتمتعون بالخبرات الأكاديمية، دون الأخذ بالرأي الفردي، ويدعي البعض أنها تتيح فرصة لتدريب أعضاء هيئة التدريس المشاركين في تلك اللجان على فن إدارة الاجتماعات، والالتقاء فيما بينهم خارج ساعات العمل الرسمي (مع احتساب خارج الدوام لكل عضو).
في الحقيقة أن هذه الظنون لا تساوي شيئاً مقابل الوجه الآخر للجان وما فيها من دلالات الفشل الإداري وعدم القدرة على القيادة الناجحة، إضافةً إلى التهرب من المسؤولية، فاللائمة تقع على اللجنة المشكلة ويتملص صاحب القرار الأكاديمي منها.
ثم هي ذريعة لتعطيل الأعمال النظامية والتي لا يقتنع بها صاحب القرار الأكاديمي، ومن ثم الوصول إلى المركزية الغير مباشرة من صاحب القرار في فرض رأيه أو رأي مقربيه كيفما يشاءون، إضافة إلى عدم الثقة في الجهة الإدارية المسؤولة عن تنفيذ الأعمال المناطة باللجنة سواءً مدير تلك الإدارة أو موظفوها، فيخرج العمل متأخراً أحياناً أو ناقصاً في أغلبها، وبالشكل الذي يريده صاحب القرار أو مقربوه.
البعض من اللجان توحي لك أن المسألة مجرد مبرة خيرية لأشخاص لهم الحضوة عند المرجع الأكاديمي فلا تشكل لجنة إلا وتلك (العينات) أعضاء فيها.
إن الحل يكمن في طرح الثقة في الإدارات الأكاديمية والسير على وفق اللوائح الموحدة التي أقرها ولاة الأمر حفظهم الله ووجهوا بالعمل بمقتضاها، ولا مانع من تشكيل لجان حقيقية لا صورية، فبعض اللجان لها عمل إداري منظم ومخرجات طيبة، وتنبئ عن حنكةٍ إدارية لا نظير لها، ولكن بعد معرفة الخلل في عمل أي جهة إدارية كانت أو أكاديمية، مع السعي لتسديد الخلل بالطرق والأساليب الإدارية الصحيحة.
ومن أجمل ما قرأت في وجه الشبه بين الجان نعوذ بالله منه وبين اللجان، أن الجان لا يرى في الدنيا، وكذلك اللجان في الغالب لا ترى أعمالها في الدنيا، أسأل الله تعالى أن يصلح الأحوال، وأن يعيذنا من الجان واللجان، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.