قد أحسنتْ وزارةُ التعليم العالي عندما ربطت الجامعات السعودية بلوائح أكاديمية موحدة تشترك فيها جميع تلك المؤسسات التعليمية، ومنحتْ الصلاحيات الواسعة في التطبيق لمجالس الأقسام العلمية، فبعض تلك المؤسسات التعليمية مُـمْعِنَةٌ في مخالفة تلك اللوائح الأكاديمية بدعوى التيسير والتسهيل، وفي الحقيقة ليس عملهم مخالفةً بقدر ما هو محاولةٌ لتفسير تلك اللوائح الأكاديمية.
في حين أن البعض الآخر من تلك المؤسسات التعليمية مُـمْعِنَةٌ في تطبيق تلك اللوائح إلى درجة (التشنج) فلا تيسير ولا تسهيل، بل اللوائح لا تحتاج إلى تفسير وإنما تحتاج إلى الحزم في التطبيق؟!!
التوسط في نظري هو المطلب الذي تسعى إليه وزارة التعليم العالي فاللائحة التفسيرية أو (القواعد التنفيذية) للائحة الموحدة للدراسات العليا تحتاج إلى تفسير وقبل ذلك إلى اعتماد وإقرار فهي لم تقرّ بعد؟!!
الإشكالية في نظري ليست في وزارة التعليم العالي أو في اللوائح الأكاديمية الموحدة التي تصدرها الوزارة؛ وإنما الإشكالية في غياب الشفافية وتطبيق تلك اللوائح من قبل بعض الجهات العلمية داخل المؤسسات التعليمية وبالطريقة والأسلوب البيروقراطي.
فعلى سبيل المثال قام رئيسٌ سابق لأحد الأقسام في إحدى الجامعات بإخفاء قرار أكاديمي ينص على أن المعيد أو المحاضر له الحق في الحصول على تفرغ علمي لإتمام مشروع رسالته بشرط أن يجتاز قرابة (80%) من الرسالة العلمية وبناءً على تقرير المشرف العلمي.
وحجة رئيس القسم (وهو على رتبة أستاذ) في إخفائه لمثل هذا القرار أن المعيدين والمحاضرين في القسم يعملون أعمالاً إدارية فلو استفادوا من هذا القرار لخلا القسم منهم؟!!
وهذا فوق أنه سوء تقدير من رئيس القسم إلا أنه هضم لحق شريحة من الأكاديميين المبتدئين في تلك المؤسسات التعليمية، مع ما في ذلك من غياب الشفافية التي يجب أن تكون حاضرة في مثل تلك التجمعات الأكاديمية.
المضحك في الأمر أن الوسيلة الإعلامية التي تطبعها الجامعة كل أسبوع نشرت خبر هذا القرار الأكاديمي الذي أخفاه رئيس القسم؟!!
مثل هذا القرار فُعِّل في جامعات ولم يفعَّل في جامعات أخرى، ولا متابعة لمثل هذه الأمور من الجهات المعنية في تلك المؤسسات التعليمية.!
إن الحديث عن الشفافية في تطبيق اللوائح الأكاديمية في الجامعات السعودية من الأهمية بمكان؛ إذ الجامعات يجب أن تسير على نهج واحد يكون معروفاً لدى الجميع ومعلناً عنه، وقد خطت وزارة التعليم العالي خطوات رائدة في هذا المجال، فالموقع الإلكتروني للوزارة شامل لجميع ما يتطلبه الأكاديمي والطالب على حدٍ سواء، وهو في نظري من المواقع الحكومية المتميزة بالشفافية والبعد عن البيروقراطية.
ثم إن وزارة التعليم العالي ممثلة بمعالي وزيرها الدكتور/ خالد العنقري حريصة كل الحرص على الرقي بمستوى أعضاء هيئة التدريس في الجامعات، فسعت الوزارة إلى إقامة الدورات التدريبية والتأهيلية لهم ومشاركتهم في الندوات والمؤتمرات والجوائز البحثية الداخلية والخارجية سواءً كانوا رجالاً أو نساءً وفي جميع التخصصات داخل المملكة العربية السعودية وخارجها مع تكفل الوزارة بجميع النفقات اللازمة لذلك، وهذه الدورات التدريبية والتأهيلية ليست خاصة لفئة من أعضاء هيئة التدريس دون فئة أخرى، وإنما هي عامة لمن أراد المشاركة، فلماذا يعمد بعض الأكاديميين إلى إخفاء هذه الدورات التدريبية التأهيلية؟!!
فعلى سبيل المثال شارك جمعٌ غفيرٌ من أعضاء هيئة التدريس من جامعة سعودية في هذه الدورات في حين أن قسماً علمياً من أقسام الجامعة برُمَّته لم يعلم خبراً بهذه الدورات وكأنه خارج رواق تلك الجامعة، ويزداد العجب حينما يعلم أعضاء هيئة التدريس في ذلك القسم بمشاركة العميد (المرجع الأكاديمي لهم) في مثل هذه الدورات دون أن يبلّغ زملاءه بذلك.!!
وهذا الخلل الأكاديمي نتج عن غياب الشفافية لدى ذلك المرجع، ومن المؤسف جداً أن يحصل ذلك في أروقة المؤسسات التعليمية التي تسعى وزارة التعليم العالي إلى الرقي بمستواها التعليمي والعلمي إلى أعلى الدرجات، فإلى الله المشتكى.
الاحتكار وما فيه من المفاسد وصل هو الآخر إلى أروقة الجامعات، ففي كل سنة تطرح بعض الجامعات برنامج الفصل الصيفي فيتم مباشرةً احتكار التدريس في هذا البرنامج على فئة من أعضاء هيئة التدريس دون غيرهم، وتجد أن القائمة التي تشمل أسماء المشاركين في التدريس تتكرر كل سنة دون فتح باب المشاركة لغيرهم من أعضاء هيئة التدريس في الكلية نفسها، في حين أن بعض المراجع الأكاديمية تدَّعي العدالة الأكاديمية وتوزيع المشاركة على الجميع، إلا أنها تفتقد الشفافية والمصداقية؟!!
المقابل المادي الذي يتقاضاه الأكاديمي خلال مشاركته في الفصل الصيفي مُغْرٍ إلى درجة أنه يستحق - كما يرى البعض مع الأسف الشديد - احتكار الفصل الصيفي لفئة دون أخرى.
أنا على علم ويقين أن وزارة التعليم العالي تعلم الكثير من المخالفات الأكاديمية وتسعى في علاجها بالطرق والأساليب المناسبة، حتى يكون عضو هيئة التدريس في رفاهية، فهو عماد وزارة التعليم العالي وهو من يقوم بالعملية التعليمية في المؤسسات الجامعية، فإذا ما توفرت له سبل الراحة كان إنتاجه أكثر وأكبر.
فلماذا على سبيل المثال تحاول بعض الجهات العلمية التابعة لبعض الجامعات التهاون في هذا الأمر وعدم إعطاء عضو هيئة التدريس نوعاً من الاهتمام خاصةً في متابعة ترقية علمية لعضو من أعضاء هيئة التدريس التابع لها، حتى يصل التأخر أحياناً إلى عدة أشهر وربما إلى عدة سنوات دون مبرر، وهذا خلل أخر في العملية الأكاديمية يجب القضاء عليه.
أخي القارئ الكريم، ما ذكرته ليس نسج خيال، وإنما هو واقع مرير تعيشه بعض جامعاتنا مع الأسف الشديد، وأنا هنا لم استقص كل ما يدور في الجامعات من تجاوزات وإخلال باللوائح وبعد عن الشفافية، ولن أستطيع ولو حرصت، وهذا ما هو إلا دلالات وأمثلة فقط، أحببت أن أذكرها هنا، وإني لأكرر مطلبي بأن تكون الجامعات أبعد جهة عن البيروقراطيات الإدارية، وأقربها إلى الشفافية والوضوح ومنح الثقة المتبادلة بين أعضاء هيئة التدريس في الجامعات ومراجعهم الأكاديمية، فإذا ما أردنا أن نكون في مقدمة ركب الجامعات العالمية فلنسعَ جميعاً إلى علاج الصدع الداخلي لكل جامعة من جامعاتنا، وذلك بالرقي بالعمل الأكاديمي إلى أعلى المستويات، مع تحقيق الشفافية الأكاديمية، والحذر كل الحذر من أن تدار الجامعات كأي قطاع بيروقراطي يهدم ما يبنيه ولاة الأمر من إصلاح ورقي وتطوير في هذه البلاد المباركة، أسأل الله تعالى أن يصلح الأحوال، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.