إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونستهديه، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم،،،
أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
أيها الإخوة في الله: منذ أن أكرم الله هذه الأمة ببعثة نبيه محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- وأفواج الدعاة المصلحين يتعاقبون فيها، علماء مخلصون، داعين إلى الحق، حاكمين بالقسط، آمرين بالمعروف، ناهين عن المنكر، فهم مصابيح الهدى التي أضاءت الطريق، يقول ربنا جل وعلا: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}.
عباد الله: إن ممن رفعهم الله على غيرهم أهل العلم العاملين، الذين هم ورثة الأنبياء، بهم تحفظ الملة وتقوم الشريعة، ينفون عن دين الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين وتأويل الضالين، فلله درهم وعليه أجرهم، ما أحسن أثرهم، وأجمل ذكرهم، رفعهم الله بالعلم وزيّنهم بالحلم، بهم يُعرف الحلال من الحرام، والحق من الباطل، حياتهم غنيمة، وموتهم مصيبة، يذكرون الغافل ويعلّمون الجاهل.
لقد فرض الله تعالى لأهل العلم الراسخين والأئمة المرضيين حقوقاً واجبة وفروضاً لازمة، من أهمّها محبتهم وموالاتهم، وذلك أنه يجب على المؤمن محبة المؤمنين وموالاتهم.
فالمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله: "فيجب على المسلمين بعد موالاة الله ورسوله موالاة المؤمنين كما نطق به القرآن، خصوصاً العلماء الذين هم ورثة الأنبياء" أ.هـ.
فحب أهل العلم والدين قربةٌ وطاعة، فإذا رأيتم الرجل يذكر أهل العلم بالجميل، ويحبهم ويقتدي بهم فأمّلوا فيه الخير، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم.
ومن حقوق أهل العلم عباد الله: احترامهم وتوقيره وإجلالهم لأنه من إجلال الله تعالى وتوقيره.
ومن حقوقهم الذبّ عن أعراضهم وعدم الطعن فيهم، فإن الطعن في العلماء العاملين والأئمة المهديين طعنٌ في الشريعة والدين وإيذاء لأولياء الله الصالحين، ومجلبةٌ لغضب الله رب العالمين الذي قال: (من عاد لي ولياً فقد آذنته بالحرب).
ومن حقوق أهل العلم عباد الله: طاعتهم فيما يأمرون به من الدين ما لم يكن مخالفاً لحكم رب العالمين، فالعلماء يطاعون فيما يرجع إليهم من العلم والدين، ومن ذلك الرجوع إليهم فيما يشكل على الناس من أمر الدين قال جل وعلا: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}.
أيها الأخوة المؤمنون: هؤلاء هم العلماء وتلك بعض حقوقهم على أفراد الأمة، وتلك واجباتهم التي إذا قاموا بها عظمهم الناس، فإن نفع العالم يزداد وأثره يعظم عندما يحيط به الناس ويجتمعون حوله وينتفعون بعلمه.
والعالم الحق المحبب إلى الناس هو الذي لا ينتبذ مكاناً قصياً، العالم الحق المحبب إلى الناس هو من يخالطهم ويسعى في قضاء حوائجهم يسمع شكاياتهم ويصبر على التعامل معهم على كافة طبقاتهم وكثرة حاجاتهم، ينزل إلى عمق المجتمع فيعيش مع كل أفراده.
ولقد رأينا هذه الصفات وتلك الميزات متحققة في عالمٍ فذٍ فجعت بوفاته الأمة، كيف لا وهو العالم النحرير الذي بذل نفسه ووقته لخدمة العلم وأهله، فزادت الجروح في جسد الأمة بموته الذي جاء ثلمةً في الأمة، لأن العالم المتميز نادرٌ وجوده ولذلك يقول إبراهيم بن أدهم رحمه الله: إذا ما مات ذو علم وتقوى فقد ثُلمت من الإسلام ثلمة، فرحم الله الشيخ عبد الله بن جبرين رحمةً واسعة وأسكنه فسيح جناته، ونسأله جل وعلا أن يجعل ما أصابه من أمراضٍ وأسقامٍ وآلامٍ رفعة لدرجاته وزيادةً لحسناته وتكفيراً لسيئاته.
عباد الله: حينما يرد الحديث عن الشيخ ابن جبرين رحمه الله، تبادرنا مواقفٌ بارزة في حياة الشيخ حريٌ بنا أن نقف عندها ونتأملها ونتخذ منها العبر، فأولي تلك الوقفات البارزة في الشيخ رحمه الله نرى فيها حرصه منذ صغره على طلب العلم الذي لم ينشغل عنه بما انشغل به أقرانه أيام الصبا، فلقد عكف على العلم بما تميز به من نباهةٍ وذكاءٍ، ثم حوّل جهده رحمه الله في العلم إلى نشره وبذله للطالبين حين بدأ بالتدريس في سن مبكرة، فأثرى الأمة بعلومه فنرى آثاره العلمية التي أثمرت في الأمة.
ومن الوقفات البارزة أيضاً في حياة الشيخ تغمّده الله بواسع رحمته ورعه وزهده الذي تميّز به حيث عاش في وقتٍ كانت فيه فرص المكاسب المادية وفيرةً، لكنه رحمه الله ترك كل ذلك ولم ينشغل بشيء آخر سوى طلب العلم وبذله، وكان مركزاً على العلم وتعليمه للطلاب فنسأل الله جل وعلا أن يجعل بذله هذا في ميزان حسناته.
عباد الله: في صحيح البخاري من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء [أي بوفاتهم] حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رُءُوساءً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا).
نسأل الله جل وعلا أن يبارك فيمن بقي من علماء الإسلام ودعاته وأن يسدد خطاهم ويكفيهم الشرور والفتن، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم،،،