العمل بالأحوط

العمل بالأحوط

  الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد: 

أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- قال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : (إن الحلال بيّن والحرام بيّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه).

هذا الحديث من أصول الإسلام، بل عليه مدار الفقه، فهو من جوامع كلمه -صلى الله عليه وسلم-، وقد وضع هذا الحديث القاعدة الشرعية للتعامل مع الأمور المشتبهة والتي يتعامل معها بالأحوط والأسلم استبراءً للدين والعرض وخوفاً من الوقوع في الحرام.

فالاحتياط في اللغة هو الأخذ في الأمور بأوثق الوجوه، وفي الاصطلاح: أسلوب للاطمئنان بعدم مخالفة الواقع المطلوب، أو هو الأخذ بالقول الذي يكون العمل به أكثر اطمئنانا بعدم المخالفة.

فلو تأملت أخي القارئ الكريم قول النبي -صلى الله عليه وسلم- (فمن استبرأ لدينه وعرضه) تجد أن دين الإسلام يحرص كل الحرص على دين المؤمن وعلى عرضه من أن يمس بسوء أو أن يلحقه الإثم.

والأمثلة والشواهد في السنة النبوية المطهرة على العمل بالأحوط واجتناب المتشابه كثيرة جداً لا يمكن حصرها، وهذا بخلاف زعم بعض الجهال أن العمل بالاحتياط لم يظهر إلا في أوقات متأخرة؟!!

فمن ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إني لأنقلب إلى أهلي فأجد التمرة ساقطة على فراشي فأرفعها لآكلها ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها) فعمل النبي -صلى الله عليه وسلم- بالأحوط والأسلم في حقه لكون الأكل من الصدقة محرم عليه -صلى الله عليه وسلم-.

ومن ذلك أيضاً لمَّا خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- من المسجد بعد صلاة الصبح ووقف مع صفية زوجه رضي الله عنها فرآه رجلان من الصحابة واقفاً مع امرأة فأسرعا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (على رسلكما إنها صفية بنت حيي)، فهو -صلى الله عليه وسلم- يبعد الريبة عن نفسه ويعمل بالأحوط والأسلم ويعلم الأمة أن لا يضعوا أنفسهم في مواطن الريبة والشبهة.

ثم إن العمل بالأحوط سلامة للمؤمن وحصن حصين له من الوقوع في الحرام، يقول الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: (جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- من يرعى حول الحمى وقريباً جديراً بأن يدخل الحمى ويرتع فيه، فكذلك من تعدى الحلال ووقع في الشبهات فإنه قد قارب الحرام غاية المقاربة، فما إخاله بأن يخالط الحرام المحض ويقع فيه، وفي هذا إشارة إلى أنه ينبغي التباعد عن المحرمات، وأن يجعل الإنسان بينه وبينها حاجزاً).

وفي الختام أخي القارئ الكريم لا يخفى عليك أهمية العمل بالأحوط والأسلم خوف الوقوع في المحذور، وقد قال الصحابي الجليل حذيفة ابن اليمان رضي الله عنه: (كان الناس يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه) فتعلم يا رعاك الله من هذا الصحابي الجليل الخوف على النفس من أن تقع في الزلل. 

أسأل الله تعالى أن يجنبنا الزلل في القول والعمل، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.