المشاركة المتناقصة

المشاركة المتناقصة

  الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد

فالمشاركة المتناقصة بقصد تحقيق الربح في عصرنا الحاضر تنشأ غالباً بين مصرف وشخص طبيعي أو اعتباري يمنح فيها الحق لأحد الشريكين بتملك حصة الشريك الآخر إما دفعة واحدة، أو بالتدرج على مراحل أو دفعات، بمقتضى شروط متفق عليها، وبحسب طبيعة الأمر المتفق عليه، حيث يقوم الشريك بشراء حصة الشريك الآخر بعد مدة معينة.

وتنقسم المشاركة بحسب النشاط الاقتصادي المتفق عليه إلى نوعين: مشاركة ثابتة أو دائمة، ومشاركة متناقصة تنتهي بالتمليك.

والمشاركة الثابتة أو الدائمة: هي التي يقصد بها الاستمرار أو البقاء في الشركة إلى حين انتهائها. وهذه هي الحال الغالبة. وهي تحقق مصلحة الشركاء في عدد من المشاريع بتمويلهم جزء من رأس المال مقابل اقتسام ناتج المشروع بحسب الاتفاق.

والمشاركة المتناقصة وهي ما أنا بصدد الحديث عنه: هي التي يتفق فيها الشريكان على امكان التنازل من أحد الطرفين عن حصته في المشاركة للطرف الآخر، إما دفعة واحدة أو على دفعات، بحسب شروط متفق عليها في العقد.

والفرق بين هذين النوعين ينحصر في شيء واحد هو عنصر الاستمرار، أو الدوام. 

ففي المشاركة الثابتة أو الدائمة يقصد كل شريك البقاء في الشركة، دون نية الخروج منها، إلا بانتهاء الشركة أو فسخها أو استنفاد أغراضها.

وأما في المشاركة المتناقصة فيظل كل شريك متمتعاً بحقوقه، ملتزماً بجميع التزاماته، لكن أحدهما وهو المصرف في الغالب لا يقصد منذ بدء التعاقد البقاء في الشركة إلى وقت انتهائها، وإنما يمنح الحق للشريك الآخر في الحلول محله في ملكية المشروع، في حين أن المصرف في الشركة الدائمة يقصد البقاء في الشركة حتى نهايتها.

وكل من هذين النوعين من المشاركة جائز من الناحية الشرعية، لأنه لا يتصادم مع شيء من أصول الشريعة ونصوصها، وإنما يكون الاتفاق فيهما إعمالاً لمبدأ التراضي وحرية التعاقد. 

ومن المعلوم أنه يصح كل شرط في العقد بإجماع الفقهاء ما لم يكن منافياً لمقتضى العقد بحيث يلغيه، وما لم يرد بشأنه نص خاص يمنعه.

والشريك حر التصرف في ملكه، لأن الشركة عقد غير لازم، فله في أي وقت الخروج من الشركة، وله تمليك شريكه حصته دفعه واحدة أو على دفعات. 

والوعد الصادر من الشريك بتمليك شريكة حصته في المستقبل لا يؤثر على مقتضى العقد، بل إن فيه مصلحة للطرفين، ولا يخل بنظام الشركة، ثم إن اللجوء للشركة المتناقصة يعد طريقاً تعاونياً مجدياً لحل مشكلة المحتاج لبناء ونحوه مع تفادي الربا. 

وللمشاركة المتناقصة شروط لا تختلف عن شروط المشاركة الدائمة، وقد اشترط مؤتمر المصرف الإسلامي بدبي ثلاثة شروط لهذه المشاركة وهي: 

– ألا تكون المشاركة المتناقصة مجرد عملية تمويل بقرض، فلابد من إيجاد الإرادة الفعلية للمشاركة، وتقاسم الربح بحسب الاتفاق، وأن يتحمل جميع الأطراف الخسارة.

– أن يمتلك الشريك حصته في المشاركة ملكاً تاماً، وأن يتمتع بحقه الكامل في الإدارة والتصرف. وفي حالة توكيل الشريك الآخر بالعمل، يحق له مراقبة الأداء ومتابعته.

– ألا يتضمن عقد المشاركة المتناقصة شرطاً يقضي بأن يرد الشريك إلى الشريك الآخر كامل حصته في رأس المال، بالإضافة إلى ما يخصه من أرباح، لما في ذلك من شبهة الربا.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.