الدرعية

  هزني الشوق إليها.. فقمتُ بزيارتها.. جئتها عصراً و قبل أن تأذن الشمس بالمغيب.. رأيتها و قد انتصبت شوامخها.. كما تركها آبائي و أجدادي و قد تركوا لي الكثير و الكثير.. تركوا لي المبادئ و القيم و المثل العليا.. 

تركوا لي السمعة الحسنة و السيرة الحميدة.. أولئك آبائي و هذه هي دورهم؛ هذى مقابرهم.. و تلك الأرض الطيبة المعطاء شهدت مواقعهم ومنازلتهم لأبطال… إنهم آل الشيخ أحفاد المجدد الإمام الشيخ/ محمد بن عبد الوهاب تاريخ أبيض ناصع.. تاريخ ما أهمله التاريخ.. تاريخ وجب على السلف أن يتمعن ليرى ما ترك الخلف و لا فخر.. لكن عار علي أن أفخر بالأب و الجد و أنا الكسول الخامل وقفت على أطلالهم أستنبئ أخبارهم فخيل إلي أني بالعين أراهم من أنت..؟ هكذا قال لي الطل.. و ما الذي أتى بك هنا؟

وهكذا يسألني الحجر الأصم..!

أنا.. أنا/ عبد الملك بن عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن الإمام محمد بن عبد الوهاب.. شعرت يا عزيزتي و كأن الطلل المسمى الآن بالخراب و الواقع في هضبة الدرعية العليا يحتضنني..

 أهلاً با لحفيد ابن الحفيد.. و ما صنعت بالرسالة..؟ هي باقية أزلية لا يضرها من خذلها… سمعتُ من يتهمني بالوهابية و أنها مذهب خامس! لا عليك أيها الطلل.. دعهم يقولون ما يشاؤون و كِلْ أمرهم لبارئهم هاتِ حدثني أيها الحجر الأصم.. أين قبر أبي..؟

هو ذا قبر أبيك الإمام.. و ذاك قبر جدك الشيخ و ذا قبر.. و ذا قبر …، كفى.. كفى أيها الطلل.. خشيت أن تشير إلى قبري… و هنا أترك الطلل و الحجر إلى الوادي الفسيح المسمى الآن بالباطن وادي حنيفه المعروف كي أستنبئ التربة الطاهرة و التي روتها دم أبي و جدي.. و كأني بقرع سيوفهم و صهيل خيولهم و قد ملأت جنبات الوادي يواكبها صوت/ الله أكبر.. الله أكبر الدين لله وحده.. و ذاك شيخ المنافقين دهام بن دواس يتصدى لأبي/ حسن.. فينبري له أبي.. و تكون الواقعة يفر على إثرها دهام و يلحق به أبي.. إلا أن فرسه كبا به و وقع على قتيل فنجا دهام… 

الشمس الشمس تأذن بالمغيب و أنا لم أفرغ بعد من قراءة تاريخ حقبة من الزمن و على الطبيعة.. رأيت الحجر صفحة و رأيت الطلل صفحة.. و رأيت كل حبة من تراب الوادي صفحة بيضاء ناصعة.. حقاً إنه تاريخ ما أهمله التاريخ... عدت إلى سيارتي و خلفت الطلل ورائي و سابقتُ الشمس مخافة أن يلحق بي أبي على ظهر جمل أو جواد.. فطابت ليلتهم.. .

الدرعية 24/11/1395هـ.