حمقاء

 هي تحبّه -كثيراً- لكن لا يعرف ذلك منها.. إذ لم تبدرْ منها أيةُ بادرة تدل على أن هناك ثمة قلب تزداد نبضاته كلما وقف أمامها ليعطيها المادة المقررة..!

هي بالنسبة له لا تعدو عن كونها طالبة في الصف الثاني آداب، شأنها شأن زميلاتها ليس إلاّ..

لم يسبق -لحضرته- أن تجوَّل في الصف، بل هو مكتفٍ بالجلوس فوق مِنبره الصغير يخاطب تلامذته من فوقه ويخاطبونه.. وحتى يتأكد أن مادته قريبة لأذهان طلبته وطالباته.. وأن ما أخذوه من دروس كانت مهضومة، قرر إجراء امتحان صُوريّ، ولَفتَ انتباه تلامذته لذلك وضرب لهم موعداً…

وتحينُ لحظةُ الامتحان في يوم …… حقاً لقد كان يوماً مشؤوماً، ذلك اليوم الذي ترك فيه منبره الصغير وراح يتجوّل بين تلامذته، وهم منهمكون في الإجابة على أسئلته الستة.. ذات الفِقَر القصيرة..! وبحركةٍ لا إراديةٍ ترفع إصبعها كي تسأله عن سؤال غَمُضَ عليها فهمُه.. وحتى يكون الحديث هَمساً إذ إن رهبة الامتحان -الصوري- تخيّم في أجواء الفصل.. فلا يسمع إلا صرير أقلام فوق الكراريس ورؤس ترتفع و تنخفض كي تفكّر…
و ينحني -حضرته- عليها ليسمع سؤالها؛ ليوضح لها المعنى المراد من السؤال.. لكنها حمقاء.. حمقاء.. كانت غير مصغية لحديثه الخافت إذ لم تفهم منه شيئاً.. فقط كانت قادرة على تقبيله.. نعم قبّلتْ أستاذها..؟!!.. تلميذةٌ أخرى رأتها وهي تقبل أستاذها فسارعت بالنظر لورقتها..!، وآخرُ رآها فسارع هو الآخر بخفض رأسه..!

وتدور به الدنيا ويكاد يسقط وينظر لها نظرة هو لا يفهم معناها فضلاً عن كونها تفهمها..!، لقد عقدتْ الدهشةُ لسانه.. واحمرّ وجهه خجلاً… وما عساه صانع..؟!..

حمقاء.. حمقاء.. لم يعد يهمُّها الامتحان..؟!، لم تعد تهمُّها النتيجة، يهمُّها أن يعرف هو أنها تحبُّه، ولْيكنْ ما يكون…!

جامعة كابل 1978م