رمضان

 رمضان مدرسة.. 

ورمضان حكمة قد لا ندركُ سرَّ كنهها… 

تعلمنا في رمضان الصبر.. 

وتعلمنا فيه الرحمة والشفقة والعطف..

وتذكرنا في رمضان الفقراء

والمساكين فحَنَوْنا عليهم..

يخطئ -تماماً- من يتصور أن رمضان إنما هو انقطاعٌ عن أكل وشرب، وأن الانقطاعَ عن الأكل والشرب هو مطلب رمضان وغايته، وبه ينالُ الأجرُ وتُدركُ الحكمة..!، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل سُلامى من الناس عليه صدقه..)، والسلامى عدد أعضاء الجسد.. وكما قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه: (ما صام من لم تصُمْ جوارحُه).

إذاً كيف يكون المسلمُ رمضانياً؟

يكون المسلمُ رمضانياً إذا صامتْ قدمه عن السعي إلى حرام، وصامتْ يده عن الاعتداء والسرقة، وصامتْ عينه أيضاً..! 

وكيف يصوم من يُغلقُ فمه عن الطعام والشراب بينا قلبه معلقٌ بالشهوات! 

يخدع نفسه من يتصور.. أو يصوِّر له شيطانُه.. أنّ رمضان شهر حرمان، فحقُّه النوم.. فهو إذاً شهر خمول وكسل.. وما علم المخادعُ نفسَه أن رمضان فرصةٌ سانحة كي يراجع المؤمِنُ ربه.. وفرصة يمنحها الخالق لكل عاصٍ كي يراجع حساباته.. مع ربه..

مع أمته.. 

مع مجتمعه..

مع ضميره مع من يعول وهو عنهم مسؤول..!!

ما أحرى الغواة للعودة.. 

وما أحرى السفهاء لليقظة والتنبه من الغفلة قبل فوات الأوان.. 

وإن الرب لكريم.. إذ منحنا شهر رمضان كي تنمو لدينا الإرادة وتقوى.. ومن ملكَ إرادته قَوِيَ بها.. ومن تَقوّى بالإرادة ملك نفسَه، وعصى شيطانَه.. وهنا يبرز العقل كقوة كامنة ترسم الطريق المستقيم.. 
وسعيدٌ من استقام طريقه.. واستقام على الطريق المستقيم..

مُحَبَّبٌ أن يخلو المرء بنفسه ولو بضع دقائق كي يسألها: أين الطريق وإلى أين أنا ذاهب..؟!!… 

رمضانيٌ من يتعلق قلبه بالمساجد.. 

ورمضانيٌ من يستعين على نفسه وهواه بالصبر والصلاة… وليس عيباً أن يخطئ المرء .. فكلنا خطَّاؤون.. إنما العيبُ أن نكتشف الخطأ ونظلُّ نسير فيه.. فهيا لنعرض أنفسنا على القرآن الكريم.. ولنرى أين موقعنا نحن من إعراب الآيات الكريمة، قال تعالى: {وَمَن يَّعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَّرَهُ * وَمَن يَّعْمَل مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَّرَهُ}، {إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ}، {إَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.

وهيا لنعرِض أنفسنا على السنة النبوية المطهرة لنرى أين موقعنا نحن من إِعراب الأحاديث الشريفة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما صام من لم يصُم عن الكذب والغيبة والنميمة..)، ويقول صلى الله عليه: (من أفطر في رمضان بغير عذرٍ لم يُقبَلْ منه صيام الدهر كله..) ، و (كُلّ) أداة تفيد الإحاطة والشمول...

ألا إنما الخمرة أمّ الكبائر، الخمرة تذهب الغيرة..، جُمعَ الشر في صندوق وقُفِلَ عليه، فكان مفتاحُه الخمرة..
 
أحدهم حدثتْه نفسُه الأمارة بالسوء أن يَقتُل أو يزني أو يشرب خمراً، ففكّر في القتل ثم راجع نفسه فإن قَتلَ قُتلَ.. فعدل عن القتل..!، ففكّر بالزنى، ثم راجع نفسَه فإنْ زنى زُنيَ به.. فعدل عن الزنا..!، ففكّر في الخمرة فشربها فواقع أختَه(!!؟).. 

ولما أفاق اكتشف سوءَ فعلته، فقتلَ أختَه وقتلَ نفسَه!.. فاجتمعتْ فيه أربع مساوئ: قتل نفسه فهو في النار، وقتل أخته فهو في النار، وزنى وشرب خمراً..!.. 

اللّهم اجعلني رمضانياً…

ناصح و غيور

1390هـ