الصعرور

  عامة الدهماء في (نجد) يسمونه بـ (الصعرور!) هو في الأصل نكرة لكن (أل) العهدية تكسبه التعريف وهي ما تسمى باللام الشمسية!

ويجمعون الاسم على (صعارير)، ولست أدري من أين جاءت هذه التسمية ولا أعرف مصدرها؟ لكن الاسم اشتقاقي متصرف –كما يبدو-.

هناك في العربية مادة (صَ.عّ.ر) بتضعيف ثانيه و(صَ.عْ.رَ.رَ) بسكون ثانيه، وأيضاً (صَ.ا.عَ.رَ)، والمعنى واحد وهو التكبر والخيلاء بإمالة الوجه عند الناس، وتكون والحالة هذه صفة مذمومة، وقد وردت في القرآن بهذا المعنى قال الله تعالى: {وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ للنُّاس}، ويقال صعَّرَ زيدٌ وجهَه: أماله تكبراً، ولعل ماضغ اللبان يميل بشدقيه عند المضغ!! ومن هنا جاءت التسمية!! 

مهما يكن.. فالصعرور نوع من اللبان يستخرج من شجر يسمى (اللامي) وقد وقفتُ على هذه الشجرة في الهند وأفغانستان وأثيوبيا وهي من الشجر الطِوال.. يُشَقُّ جذعُها شقاً غير نافذ وتترك فترةً من الزمن كيْ يفرز الشقُّ مادةً صمغيةً منها الأصفر والأبيض الغامق.. 

إذاً أَحِبَّتُنا في الحجاز على صوابٍ حينما أسموه بـ (اللبان اللامي)، أما عامة أهل العراق فيسمونه اللبان السائل، ولم يبعدوا عن الصواب.

إلى وقتٍ قريبٍ تعارف الناس في نجدٍ على أنّ مضغ اللبان للنساء دون الرجال.. ولستُ أدري لِمَ خُصَّتْ النساء دون الرجال بهذه (المكرمة!!)؛ وبعضهم يوغل في التجاوز فيجعل مضغ اللبان كناية عن الكسل والبطالة، فيقولون: فلان ماضغ لبان..!! أي لا عمل له، فكأنما هو امرأة لا همَّ لها إلا مضغ اللبان.

أعرف أن متغيرات الحياة قلّبتْ الموازين رأساً على عقب.. وأعرف أن حواء أخذت من الرجل كلَّ شيء، ولم تُعطِ أيَّ شيءٍ (!) لكنهم كانوا يقولون كذا..

ثمة ملاحظة هي أن الشرقي يختلف عن الأوربي في كيفية المضغ!، فالشرقي عامةً عرباً وغيرَ عربٍ يفتح فَمَهَ عند المضغ، أما الأوربي فيُغلق![ يمكِنُكِ إجراء التجربة].

ولِلُّبان -في القديم- سوقٌ رائجة، وباعة متخصصون عُرفوا بهذه المهنة حتى اكتسبوا النسبة إليها، فابن اللِّبان [صيغة مبالغة على وزن فِعال..] كان أبوه يبيع اللبان في أزقة بغداد..، وهناك من ينسب إلى بائع اللبن باللبان.. وإن كانت النسبة خطأً، لكنها حاصلة عموماً..!

فالنسبة لبائع اللبن: لابِن ولَبَني يقول:

وَغَــرَّرَتْني وَزَعَــمَتْ أَنَّكَ لابِنٌ في الصَّيْفِ تامِرٌ..!

أي صاحب لبنٍ وتمرٍ..!

يقول ابن فورجة في تعليقه على بيت جميل بن عبد الله بن معمر والمعروف بـ (جميل بثينة) حيث يقول: 

إذا رُدِّي بعْضَ عقْلي أَعِشْ بِـهِ

مَعَ النّاسِ قالَتْ: ذاكَ مَنْكَ بَعيدُ..! 

قال: بخٍ لرجلٍ تذهبُ بِلبِّه ماضغةُ اللبان !!

ومن العادات المستهجنة أن تُمضَغ اللبانة، ومن ثم تُلَفُّ في خرقةٍ أو قرطاسٍ ويعاد لمضغها مرةً أخرى بعد فترة (؟!) وبعد أن تتلوّث ..

وأَقِفُ عند هذا الحد كي أمضغ مأساتي في وحدتي ، وإني لعلَى فراقها لقادر… ولكن متى؟!!

السودان - الخرطوم
1399هـ