إنها كابل..!

 كلنا بالطبع يعرف النظرية القائلة بدوران الأرض.؟ 

إلا أنني يا عزيزي وبعد وصولي لمدينة كابل بدأت أعيد النظر في قناعتي بدوران الأرض!! وحُقَّ لي الآن أن أستثني مدينة كابل، فأقول: إن الأرض تدور إلا مدينة كابل!!

إنني أشعر الآن وكأن عامل الزمن قد توقف بالنسبة للسكان..

قد تقول إنّ بها نهضةً عمرانيةً وتقدماً ملموساً.. هذا صحيح.. ولكن ما الفائدة في تطور الجماد بينما الإنسان هنا راكد كالماء الآسن!.. نائم عن ركب الحضارة لا حظّ له من التقدم سوى الفرجة هو كالحادي بدون بعير..!
 
يفخر بتقدم الجماد بينما هو في قفص لا يودّ أن يبرحه، أَغْلَقَ فكرَه، وسَدَّ في وجهه جميعَ المنافذ وبمحض اختياره، إن الإنسان هنا أشبه ما يكون بذلكم الذي حدّثتْنا عنه الأساطير الهندية، إن ذلكم الإنسان الذي ولد وترعرع ونشأ في قبو (سرداب)، ولما بلغ الخامسة والثلاثين من عمره أخرج من القبو إلى حيث الحركةُ والناسُ، فصور شعوره حينما رأى بني جنسه وقد كان يتصور ألا مخلوق سواه..؟!!.
حقاً إنها بلد المتناقضات..!

ما أحوج القوم هنا إلى جامعة بكامل تشكيلها مهمتها دراسة الأحوال الشخصية، إنها حقاً حقل صالح لتجارب علماء النفس لتقيم هذا النمط من البشر..! ومن أي السلالات ينحدرون…؟!!. 

أرجوك لا تسألني أن أضع تعريفاً للإنسان وهنا.. ففي سؤالك إحراج بالنسبة لي.

وفهمي يقصر دون وضْعِ تعريفٍ لما يسمى بالإنسان هنا!

من هو.. ومن يكون؟!

إنه مجموعة من اللحم تمشي على رجلين وبه شبه من الإنسان من حيث الخلقة.. يأكل كما نأكل ويتحدث كما نحن كذلك. 

ولكن بينه وبين الإنسان المستوي بَوْنٌ شاسع..! أُعطيَ بسطة في العقل..! هو لا يدري، ولا يدري أنه لا يدري!!
أعمت المادة بصره وبصيرته…

أسبل اللحية دون هدى.. ولقد قالت الحكمة الفارسية..: (من طالت لحيته خف عقله..!).

يسير حافٍ كما كان أبوه الأول.. والذي حدَّثَنا عنه داروين، غارق في السذاجة حتى أذنيه… بسيط بساطة الثعلب إذا شعر بالخوف.. يضرب الرقم القياسي في الغباء.. اجتهاده عبث ودينه نفاق، وصلاته مضيعة للوقت.. انعكست لديه المفاهيم.. لا يقبل النقاش لأنه لا يعرف له.. التفاهمُ معه ضربٌ من المستحيل.. 

هو مرجل حقدٍ يغلي.. مفطور على الحسد.. يتميز غيظاً إذا سمع عن مشروع في (…) ولكأنما التقدُّم عارٌ عليه هو..!

الناس عنده كفرة مهرطقون.. وأهالي (…) عنده أبالسة يجب أن يزولوا..

قال أحدهم لا فض فوه..! وكان في مجلس: ما عرفنا الشر إلا بعد ما ماعرفنا: (….)!!!!

وقال آخر.. ما عرفنا الشر إلا بعد ما سفلت الطريق! ولله في خلقه شؤون…

هذا المخلوق الذي أُحدّثك عنه الآن ليس لديه متسع من الوقت لأن يفكر.. ولو أراد ذلك فهو لا يقوى عليه..

الشباب عنده طريق إلى النار..! حسبهم الله ما الذي يريدونه من الإنسان؟! إنهم يريدون منه أن يولد صغيراً، ثم يهرم دون المرور بمرحلة الشباب..! تَبّاً لهم، ما أضعف عقولهم، وما أسخف تفكيرهم، وما أهونهم على الله!

ما الذي يريدونه من الشباب؟!

لا شئ سوى أن يصلي.. ويصلي.. ثم ليفعل ما بدى له، ولكأنما الصلاة وحدها وبدون شروطها حجاب من النار؟ إن الله تعالى يقول: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عن الفَحْشاءِ والمُنْكَرِ} أما القوم هنا فلا يطلبون إلا صلاةً فقط ثم اصنعْ ما شئت.. لا يهمّ أن تكذب، أن تسرق، أن تنافق، أن تُرابي، أن تغشّ، أن تخادع، أن تماطل، أن تظلم، أن تأكل حقوق الناس.. هذه أشياء وإن وُجدتْ عندهم فهي ليست بذي بال.. المهمّ أن تصلي وتصلي وتصلي فقط..!!! 

كابل 1978م