روائع من سير الأجداد سيرة العمة فاطمة بن محمد بن عبد ال

ولدت العمة فاطمة بنت الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الدرعية أوائل القرن الثالث عشر الهجري، وتلقت تعليمها الأول على يد والدها شيخ الإسلام الذي غرس فيها حب العلم ونشر الخير بين الناس، فتكون لها حصيلة علمية خولتها القيام بالتدريس للرجال والنساء، وتذكر بعض المصادر أنها كانت تجعل بينها وبين الرجال سترة أثناء التدريس.

كانت العمة فاطمة -رحمها الله- موصوفة بالجمال، ومع ذلك شغلها التدريس ونشر العلم عن الزواج، وكانت عفيفةً شجاعة، ففي ذات يوم طرقت عليها امرأة باب البيت، فلما فتحت الباب توجست من هذه المرأةِ شراً وقامت العمة فاطمة مسرعة إلى لحاف عندها و(تلفعت) به، ثم جاءت إلى المرأة وسحبت الغطاء عن وجهها فإذا بها تفاجأ بأنها ليست امرأة وإنما رجل؟ 

فقالت له: (أخزاك الله)!

فصاح الرجل وقال: (إنما أرت خيراً، سمعت عن جمالكِ وأرت أن أخطبكِ فلم أجد سبيلاً لرؤيتكِ إلا ما فعلت)!

فقامت العمة -رحمها الله- بضربه ضرباً شديداً وأخرجته من البيت بعد أن اجتمع الرجال من أهل البيت والجيران وسمعوا صراخ الرجل.

خرجت –رحمها الله- للحج وهي في الطريق وكانت داخل الهودج مرت بقبر على مقربة من قرية يقال لها (الزيمة) فطلب سادن القبر من قائد راحلتها (السائق) أن يقدم هدية لصاحب القبر، بدعوى أنه ولي، فما كان من قائد رحل العمة فاطمة إلا أن نهره وقال: (لا أقدم له إلا التراب)! 

فما كان من العمة -رحمها الله- إلا أن تكلمت وهي في الهودج وقالت لقائد رحلها: (ولا تقدم حتى التراب، ثم استدلت بحديث طارق بن شهاب، عن سلمان الفارسي -رضي الله عنه- قال: (دخل رجل الجنة في ذباب، ودخل النار رجل في ذباب، قالوا: وكيف ذلك؟ قال: مر رجلان على قوم لهم صنم لا يجوزه أحدٌ حتى يقرب له شيئاً، فقالوا لأحدهما: قرب، قال: ليس عندي شيءٌ، فقالوا له: قرب ولو ذباباً، فقرب ذباباً، فخلوا سبيله. قال: فدخل النار، وقالوا للآخر: قرب ولو ذباباً، قال: ما كنت لأقرب لأحد شيئاً دون الله عز وجل، قال: فضربوا عنقه، قال: فدخل الجنة).

شهدت العمة فاطمة -رحمها الله- سقوط الدرعية وتدميرها عام 1233هـ، على يد الطاغية إبراهيم باشا عليه من الله ما يستحق، فخرجت إلى رأس الخيمة مع ابن أخيها الشيخ علي بن حسين ابن محمد بن عبد الوهاب وكان صغيراً، وفي عام 1235هـ، وفي منتصف شهر صفر قدم البريطانيون بحملتهم الثالثة على القواسم في رأس الخيمة، فخرجت العمة فاطمة ومعها ابن أخيها علي بن حسين من رأس الخيمة إلى عمان، ولذلك سميت (صاحبة الهجرتين)، حيث هاجرت بعد سقوط الدرعية إلى رأس الخيمة، ثم هاجرت منها إلى عمان بعد هجوم البريطانيين عليها.

ومكثت -رحمها الله- في عمان تدرس وتعلم وتنشر العقيدة السلفية بين العمانيين حتى استقر الوضع في نجد بتأسيس الدولة السعودية الثانية على يد الإمام تركي بن عبد الله -رحمه الله- فعادت إلى الرياض مع ابن أخيها عام 1240هـ، وتوفيت في الرياض ودفنت في مقبرة العود.

رحم الله العمة فاطمة بنت الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأجزل الله لها المثوبة، وجمعنا بها في دار كرامته ومستقر رحمته، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.