خطبة عيد الأضحى عام 1427

 الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر... الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر... الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر
الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً
الله أكبر كلما أحرموا من الميقات...الله أكبر كلما لبى الملبون و زيد في الحسنات... الله أكبر كلما دخلوا فجاج مكة آمنين...الله أكبر كلما طافوا بالبيت الحرام وسعوا بين الصفا والمروة ذاكرين مكبرين...الله أكبر كلما وقفوا بعرفة خاضعين مهللين داعين... الله أكبر كلما وقفوا بالمشعر الحرام ذاكرين منيبين...الله أكبر كلما رموا الجمرات محلقين رؤوسهم ومقصرين...الله أكبر كلما سالت منهم العبرات خاشعين لربهم راجين وخائفين. الله أكبر... الله أكبر...ولله الحمد. 

إن الحمد لله ، نحمده و نستعينه ونستغفره ونستهديه ونتوب إليه…
فيا أيها الناس: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، يقول الله تعالى: {ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}. اتقوا الله تعالى، واشكروه على نعمة الإسلام الذي أكمله لكم وأتم عليكم به النعمة ورضية لكم ديناً {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الأسْلاَمَ دِيناً}، فبعد أن كانت هذه الأمة أمة ضالة تعبد الأوثان وتشرب الخمر وتسيء الجوار وتئد البنات وتأكل الميتة وتتناحر فيما بينها أخرجها الله بمبعث خير الرسل وأفضل البرية من الظلمات إلى النور، وجعلها خير أمة أخرجت للناس، {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ}، وأحياها بلا إله إلا الله محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلا إله إلا الله شعار الموحدين، "لا إله إلا الله" أول واجب على المكلفين، "لا إله إلا الله" مفتاح الجنة، "لا إله إلا الله" وصية الخليل إبراهيم، "لا إله إلا الله"دعوة الأنبياء والمرسلين، "لا إله إلا الله" هي عقيدتنا، "لا إله إلا الله" عليها ولاؤنا وبراؤنا، "لا إله إلا الله" هي الابتلاء وعليها وقع الامتحان، "لا إله إلا الله" لها معنى معلوم بينه ربنا عز وجل ولم يكله إلى اجتهاد الناس {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} بهذا المعنى نطق الرسل عليهم الصلاة والسلام {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} وقال عز من قائل: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}.

"لا إله إلا الله" لها من الفضائل العظيمةِ والمزايا الكبيرة والثّمار النافعة والأجورِ الكريمةِ ما لا يمكن لأحدٍ استقصاؤه ولا لمخلوقٍ عدُّه، "لا إله إلا الله" لها مِنَ الأجر العظيم والثّواب الكبير ما لا يخطُر ببالٍ ولا يدور في خيال، قال سفيان بن عُيينة رحمه الله: "ما أنعَمَ الله على العبادِ نعمةً أعظمَ من أن عرَّفهم لا إله إلا الله" في الحديث قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :(‏يجاء برجل من أمتي يوم القيامة، فتنشر له تسعة وتسعون سِجِلاً كل سجل مد البصر، فيقال له‏:‏ هل تنكر من هذا شيئًا‏؟‏ فيقول‏:‏ لا يا رب، فيقال له‏:‏ ألك عذر‏؟‏ ألك حسنة‏؟‏ فيقول‏:‏ لا يا رب، فيقول‏:‏ بلى إن لك عندنا حسنة، وإنه لا ظلم عليك اليوم‏)‏ قال‏:‏ ‏(‏فتخرج له بطاقة فيها‏:‏ أشهد أن لا إله إلا الله، فتوضع البطاقة في كفة والسجلات في كفة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة‏).

"لا إله إلا الله" هي الكلِمة الطيّبة والقول الثابت والعروةُ الوثقى وكلِمة التقوى، من تمسَّك بها نجا، ومن فرَّط فيها هلَك، ففي الصحيحين أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنّ اللهَ حرَّم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغِي بذلك وجه الله).
"لا إله إلا الله" كلمةٌ عظيمة لا تنفَع قائلها إلا حين يعرِف مدلولها نفياً وإثباتاً، ويعتقِد ذلك ويعمَل به، "لا إله إلا الله" كلمةٌ تقتضي إثباتَ العبادة وإخلاصَها لله وحدَه واجتنابَ عِبادة ما سواه ونفيَ جميع أنواع العبادةِ عن كلِّ من سوى الله، على حدِّ قوله تعالى:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} حصر وقصر، فإياك نعبد دون ما سواك، وإياك نستعين دون ما سواك.
"لا إله إلا الله" توحيدٌ خالِص يرتفع به الإنسانُ عن أوحال الذل للمخلوق، فيسمو به إلى مرتبة العبودية الخالصة للخالق:{وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}. 

"لا إله إلا الله" مقتضاها البراءةُ الكاملة من عبادةِ كلِّ ما سواه من الشفعاءِ والأنداد، ولو كانوا ملائكةً مقربين أو أنبياءَ مرسَلين {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}.
"لا إله إلا الله" تتضمَّن الإقبالَ على اللهِ وحدَه خُضوعاً وتذلُّلاً، إنابَة وتوكُّلاً، دعاءً وطلباً، رغباً ورهباً، رجاءً وخوفاً. فأهل "لا إله إلا الله" لا يصرِفونَ شيئاً مِن العِبادة والتديُّن لغير الله، فهم لا يسأَلون إلاّ الله، ولا يدعُون إلا إيّاه، ولا يتوكَّلون إلا عليه، ولا يرجُون غيرَه، ولا يذبحونَ ولا ينذُرون إلاّ له، ولا يَرجون كشفَ ضرٍّ ولا جَلبَ نَفعٍ إلاّ منه وحدَه،{قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}.
"لا إله إلا الله" من شروطها العلم بمعناها، يعلَم علماً جَازماً أنه لا معبودَ حقٌّ إلا إلهٌ واحد هو الله جلّ وعلا لا شريك له. فربُّنا جلّ وعلا يقول: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ}، ونبيُّنا محمّد -صلى الله عليه وسلم- يقول فيما رواه مسلم: (مَن ماتَ وهو يعلَم أن لا إلهَ إلا الله دخل الجنة).
"لا إله إلا الله" من شروطِها أن يكونَ قائلُها موقِناً بها يقِيناً جازماً لا شكَّ فيه ولا ريب، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا}، وسيِّد الخلقِ صلوات الله وسلامُه عليه يقول: (أشهد أن لا إلهَ إلا الله وإني رسولُ الله، لا يلقَى الله بهما عبدٌ غيرَ شاكٍّ فيهما إلا دخَلَ الجنّةَ). 

"لا إله إلا الله" مِن شروطها الإخلاصُ المنافي للشّرك والرّياءِ؛ بتصفيَةِ الأعمال والأقوال والأفعالِ وتَنقيَتها من جميعِ الشوائبِ الظاهرة والباطنَةِ، في صحيح البخاري أن سيد الخلق -صلى الله عليه وسلم- قال: (أسعَد الناسِ بشفاعتي من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه).
"لا إله إلا الله" من شروطِها الصدقُ فيها باللسان والقلبِ والعمل، ففي الصحيحَين عن إمام الموحِّدين صلوات الله وسلامُه عليه أنه قال: (ما مِن أحدٍ يشهد أن لا إلهَ إلا الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله صادقاً من قلبِه إلاّ حرّمه الله على النار).

"لا إله إلا الله" من شروطها المحبّة الكاملة لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- والمحبّةُ لدينه وشرعِه، {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ}. "لا إله إلا الله" مِن شروطها القَبولُ الكامِل لهذه الكلمة، قبولاً تامّاً بالقلب واللسان، مع الانقياد والقيام بشرعِ الله والإذعان لحكمه والتسليمِ الكامل لذلك، {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}، وأقسم سبحانه وتعالى بنفسه أنه لا يؤمن المرء حتى ينقاد لحكم الله وحكم رسوله -صلى الله عليه وسلم-: {فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيماً}.
معاشرَ المسلمين، تمرُّ بديار الإسلام أزَماتٌ حادّة وفِتَنٌ مدلهِمّة، وتحلُّ بهم بلايا كبرَى ونكباتٌ شتى، وما يحلُّ بنا من نكَبات ابتلاء ومنه عقوبات، فربُّنا جلّ وعلا يقول: {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ}، ويقول جلّ وعلا {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}.

فأهل "لا إلهَ إلا الله" لا تزيدُهم الابتلاءَاتُ والفِتَن إلاّ إيماناً صادقاً باللهِ وتَصديقاً محقَّقاً برسول الله وثَباتاً على الحقّ عقيدةً وسلوكاً ونِظامَ حياة، فربُّنا جلّ وعلا يقول: {فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}، ويقول جلّ وعلا {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً}.
أهل "لا إلهَ إلا الله" أهلُ إنابة وتوبة، لا تمر بهم الأحداث سدى بل يراجعون أنفسهم وينظرون في أعمالهم، ويتوبون إلى ربهم، ويكثرون من الاستغفار وطلب الرحمة من الجبار.
أهل "لا إلهَ إلا الله" أهلُ عدلٍ وإنصافٍ وإصلاح، فكلُّ تصرّفٍ خَرَج عن العدلِ إلى الجَور، وعن الرحمةِ إلى القَسوة، وعن المصلحة إلى المفسدةِ، وعن الحِكمة إلى العبث، فليس من الإسلامِ في شيء، كما نصَّ على ذلك العلاّمة ابن القيم -رحمه الله-.

أهل "لا إلهَ إلا الله" ينقادون لشرع الله تعالى لا تحركهم العواطف ولا تموج بهم الشعارات الزائفة الماكرة، قال الله تعالى مخاطباً نبيه -صلى الله عليه وسلم- {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.
فاتَّقوا الله عباد الله، والتزِموا بتحقيق "لا إله إلا الله"، وعظِّموا فروضَها، والتزموا بشروطها؛ تسلَموا وتفوزا وتغنَموا دنياً وأُخرى.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد

عباد الله: أذكركم ونفسي بآلاء الله ونعم الله وعطاء الله، فاشكروه سبحانه وتعالى يزدكم، فإنه من لم يشكر الله أصابه الهلاك والدمار، قال الله تعالى: {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ}.
أيها المؤمنون: أنظروا إلى النعم التي نعيشها، نعمة الأمن في الأوطان، والصحة في الأبدان، وتحكيم الشريعة وتطبيق القرآن، كل ذلك بفضل الله تعالى وحده، ثم بفضل تمسكنا بمنهج السلف الصالح الذي سار عليه أئمتنا وولاة أمرنا أيدهم الله بتأييده وحفظهم من كل سوء ومكروه.

فإذا أردتم عباد الله أن تعلموا عظم هذه النعمة علينا فانظروا في حال الأمم والشعوب حولنا، كيف يعيشون ويتقلبون في أنواع من البلايا، أما هذه البلاد المباركة لما أنعم الله عليها بقادةٍ وحكام يطبقون شرع الله تعالى، رغد عيشها، وكثر خيرها، وهنأ شعبها، فليس لنا والله إلا أن نتمسك بهذا الدين، وأن نعض بالنواجذ على هدي سيد المرسلين، فهذا هو الطريق الأوحد للتمكين في الأرض والاستخلاف فيها، وهو الطريق الأوحد لبسط الأمن وبقاء النعم {أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}.
عباد الله: يقول الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}، قد كانت هذه البلاد كما يحكي التاريخ مسرحاً من الفتن والحروب والنهب والسلب، حتى أنعم الله على أهلها بظهور دعوة التوحيد على يد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- وبقيام الحكم بشريعة الله على يد الإمام محمد بن سعود -رحمه الله- الذي نصر الله به الدين، وأعلا به كلمة التوحيد، وأعز به السنة، ورفع به مذهب السلف الصالح، حتى أصبحت هذه البلاد المباركة ولا تزال ولله الحمد والمنة مضرب المثل في الأمن والاستقرار، مما لا تظفر به أمة من الأمم، ولا تزال هذه البلاد المباركة في أمن واستقرار ورغد عيش ما دامت متمسكة بعقيدة التوحيد محكمة لشريعة الله، وصدق الله {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد
عباد الله: إن الله جل جلاله قد عظم شأن الولاية المسلمة، وقرن طاعة الولاة بطاعة الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} نطيعهم في غير المعصية ديانة وتقرباً إلى الله، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني) متفق عليه، وعن ابن عمر -رضي الله عنهما-قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:(‏على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة‏) متفق عليه.

كما أن الله جل جلاله عظّم في كتابه شأن العلماء، شأن علماء الإسلام؛ لأنهم الذين حملوا في صدورهم كتاب الله جل وعلا وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ثم بينوا ذلك للناس، فرفع الله المؤمنين بالله ورسوله، رفعهم درجات، وجعل أرفع المؤمنين درجات: أهل العلم، قال الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}، فأهل العلم العاملون الربانيون هم أرفع هذه الأمة درجة، فاعرفوا عباد الله قدرهم، واحفظوا لهم حقهم، وانظر أخي المسلم كيف أن الله تعالى بمنه وكرمه قد أنعم علينا في هذه البلاد المباركة بالتئام القيادة الصالحة مع العلماء المصلحين، في أوائل القرن الماضي على يد رجلٍ فذٍ في التاريخ قل نظيره في الوقت المعاصر، إنه الإمام الموحد المجاهد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن طيب الله ثراه، الذي نقل هذا البد نقلةً حضارية ووحد أرجائه وجمع شتاته وأخرج الله له كنوز الأرض، وجعل الله الملك له في هذه البلاد ولذريته من بعده، هذا الرجل الذي بنا مملكته على التوحيد والعقيدة، يعرف للعلماء مكانتهم اللائقة بهم، فقد قال لابنه الملك سعود -رحمه الله- حين ولاه ولاية العهد قال له: (أوصيك بعلماء المسلمين خيراً، احرص على توقيرهم ومجالستهم وأخذ نصائحهم)، وقال -رحمه الله- في رسالة أخرى(من عبد العزيز بن عبد الرحمن، إلى من يراه من كافة إخواننا المسلمين، سلمهم الله تعالى، ووفقنا وإياهم للتمسك بالكتاب المبين، وسنة سيد المرسلين، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد: فإن الواجب علينا وعلى كل مسلم النصح لله ولكتابه، ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-، ولأئمة المسلمين وعامتهم; أما النصح لله، فتوحيده وحب أوليائه، وعداوة أعدائه، وأما النصح لكتابه، فالإيمان به، والعمل بما جاء به، وعدم تأويله على غير ما أنزل الله, وأما النصح لرسوله -صلى الله عليه وسلم-، فالإيمان به والإقتداء بسنته، والأخذ بما أمر به. 

وأما النصح لأئمة المسلمين، فمنهم الأمراء، ومنهم العلماء؛ فأما الأمراء، فالدعاء لهم بالتوفيق والصلاح، ولزوم جماعتهم، والسمع والطاعة لهم، وعدم الخروج عليهم، ورد القلوب النافرة إليهم، وجمع كلمة المسلمين عليهم. وأما العلماء، فمحبتهم، والإقتداء بهم، وعدم مخالفتهم، وتوقيرهم، وعدم الاستهانة بهم، وسؤالهم عما مَنَّ الله عليهم من معرفته)أ.هـ. وأمثلة هذا كثيرة جداً في كلام الملك المؤسس -رحمه الله- وكلام أبنائه البررة، في توقير العلماء والذب عنهم والتحذير من انتقاصهم. 

فاتقوا الله تعالى عباد الله، واعرفوا للعلماء مكانتهم اللائقة بهم، فقد قرن سبحانه شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته، على أعظم مشهود عليه وهو توحيد الله والقيام بالقسط قال الله تعالى: {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد

الخطبة الثانية
الله اكبر … الله اكبر … الله اكبر ... الله اكبر … الله اكبر … الله اكبر… الله اكبر
الله اكبر كبيراً ، و الحمد لله كثيراً ، وسبحان الله بكرةً و أصيلا.
الحمد لله حمداً طيباً مباركاً فيه ، كما يحب ربنا و يرضى… 
أيها الناس: اتقوا الله تعالى واشكروه على نعمه العظيمة، واعلموا أن يومكم هذا هو يوم الحج الأكبر، جعله الله عيداً لأهل الإسلام، يأتي بعد يوم عرفة الذي يؤدي الحجاج فيه الركن الأعظم من أركان الحج، كما قال -صلى الله عليه وسلم-:(الحج عرفة). ويوم عرفة: هو يوم العتق من النار، يعتق الله فيه من وقف بعرفة، ومن لم يقف بها من المسلمين ممن تقبل الله توبته وصلحت أعماله و نيته. فلذلك صار اليوم الذي يليه عيداً لجميع المسلمين في جميع أمصارهم من الحجاج و غيرهم، لاشتراكهم في العتق والمغفرة في يوم عرفة، فكما اشتركوا في المغفرة والعتق من النار يشتركون في هذا العيد الذي يتقربون فيه بذبح القرابين من الهدي والأضاحي.

فالحجاج يرمون فيه جمرة العقبة ويشرعون في التحلل من إحرامهم ويقضون تفثهم و يوفون نذورهم، ويطوفون بالبيت العتيق. وأهل الأمصار يجتمعون على ذكر الله وتكبيره ويؤدون صلاة العيد في جمعٍ حاشد، وفي صعيد واحد، ثم يذبحون بعد ذلك ضحاياهم. وقد أمر الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يجعل شكره على إعطائه الكوثر أن يصلي لربه وينحر، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم:{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ* فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ* إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}. فمن خصائص هذه الأيام المباركة ذبح الهدي للحجاج، وذبح الأضاحي للمسلمين من حجاج وغيرهم.
والأضاحي سنة إبراهيم ومحمد صلى الله عليهما وسلم وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، فإن الله سبحانه شرعها لإبراهيم عليه السلام حين فدى ابنه الذي أمره الله بذبحه امتحاناً له فبادر بامتثال أمر ربه: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} وعند ذلك لما ظهر صدقه فداه الله بذبح عظيم.

روى ابن ماجة وغيره من حديث زيد بن أرقم: قيل: يا رسول الله، ما هذه الأضاحي؟ قال: (سنة أبيكم إبراهيم ) قيل له: فما لنا بها؟ قال: (بكل شعرةٍ حسنة) قيل: فالصوف قال: (لكل شعرة من الصوفي حسنة)، وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله عز وجل من هراقة دم، وإنه ليأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها، وإن الدم ليقع من الله عز وجل بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطيبوا بها نفساً) رواه الترمذي وابن ماجه، وضحى النبي -صلى الله عليه وسلم- بكبشين أقرنين أملحين أحدهما عن محمد وآل محمد، والآخر عن أمة محمد.
فبادروا رحمكم الله بإحياء سنة المصطفين الأخيار، وهي أفضل عمل يفعله المسلم في هذا اليوم. وذبحها أفضل من الصدقة بثمنها، لأن في ذبحها إحياء للسنة، ولأن القصد من شرعيتها إظهار هذه الشعيرة توحيداً لله عز وجل {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ}.

وأفضل الأضاحي أكرمها وأسمنها وأغلاها ثمنا وتجزئ الشاة عن الرجل وأهل بيته، و البدنة والبقرة عن سبعة.
والأفضل أن يقسم لحم الأضحية أثلاثاً، فيأكل ثلثاً، ويهدي إلى أصدقائه ثلثاً، ويتصدق بثلثها على الفقراء، ووقت الذبح من انقضاءِ صلاة العيد إلى آخر اليوم الثالث بعد يوم العيد، أي: يوم العيد وثلاثة أيام بعده، فينتهي وقت الذبح بغروب الشمس من اليوم الثالث عشر من ذي الحجة. والأفضل أن يذبحها يوم العيد، وآن يتولى ذبح أضحيته بنفسه، ويجوز له أن يوكل من يذبحها عنه بحضوره أو في غيبته.
فاتقوا الله أيها المسلمون وعظموا حرماته ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل، اجتنبوا الربا، والرشوة، والخيانة، والسرقة، والغش في المعاملات والمقاولات والأعمال والبيع والشراء، فإن من غش المسلمين فلس منهم، وحافظوا على الصلوات. والجمع والجماعات، و تجنبوا شهادة الزور، فإن شهادة الزور قرينة الشرك في كتاب الله. قال الله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} غضوا أبصاركم، واحفظوا فروجكم، واستروا نساءكم بالحجاب الضافي من الثياب. 

عباد الله: أيتها المرأة المسلمة عليكِ بتقوى الله في السر و العلن، وقومي بحقوق زوجكِ عليكِ، ولا تخرجي من البيت إلا بعد الإذن من الزوج قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أيما امرأة خرجت من بيت زوجها من غير إذنه لعنتها الملائكة حتى ترجع أو تتوب)، ويقول عليه الصلاة و السلام : (إذا صامت المرأة شهرها وصلت خمسها وأحصنت فرجها وأطاعت بعلها فلتدخل من أي أبواب الجنة شاءت) ألا فاتقين الله يا نساء المسلمين وأعلموا أن عليكن واجباً عظيماً نحو أمتكم ودينكم فلا تفرطوا فيه، فقوموا بالواجب عليكم من تربية الأولاد وطاعة الأزواج والمحافظة على البيت تفوزوا وتفلحوا بجنة عرضها كعرض السماء و الأرض أعدت للمتقين، وعليكِ ـ أيتها المرأة المسلمة ـ أن تشكري نعمة الله عليك حيث حفظ لك الإسلام حقوقك كاملة، ولا تنخدعي بالدعايات الوافدة فإن مكانتك في هذه البلاد المباركة أحسن مكانة في هذا العصر.
هذه ـ عباد الله ـ شمس العيد قد أشرقت، فلتشرق معها شفاهكم بصدق البسمة، وقلوبكم بصفاء البهجة، ونفوسكم بالمودة والمحبة، جددوا أواصر الحب بين الأصدقاء، والتراحم بين الأقرباء، والتعاون بين الناس جميعاً. في العيد تتقارب القلوب على الود، وتجتمع على الألفة، ويتناسى ذوو النفوس الطيبة أضغانهم، فيجتمعون بعد افتراق، ويتصافحون بعد انقباض، ويتصافون بعد كدر، فتكون الصلات الاجتماعية أقوى ما تكون حباً ووفاء وإخاءً.

واتقوا الله عباد الله، واستقيموا على الدين الإسلامي الحنيف مستمسكين بأصله وأوله وآخره (شهادة أن لا اله إلا الله وان محمدا رسول الله)، قائمين بلوازم ذلك معرفة ومحبة وعملاً ونصيحة وجهاداً، مستسلمين لله وحده، منقادين لأمره وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم- متسلحين بالعلم والإيمان والعمل الصالح عن كل قاطع يقطع عن الله أو مانع يمنع عنه، قال جل جلاله: {وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
الله اكبر … الله اكبر … الله اكبر ، لا إله إلا الله،،، الله اكبر… الله اكبر ، ولله الحمد.

نحمد الله تعالى على ما هيأ لحجاج بيته من الأمن والراحة وقضاء النسك، وهذه نعم جليلة نسأل الله تعالى أن يتقبل من الحجاج حجهم، وأن ييسر لهم أمورهم وأن يعيدهم لديارهم سالمين غانمين فائزين، وأن يجزي الله خيراً ولاة أمرنا في هذه البلاد المباركة على ما يقومون به من خدمة وعناية بضيوف بيت الله الحرام، وما يبذلونه على خدمة الحرمين الشريفين زادهم الله هداً وتوفيقاً، وأعانهم على كل خير، وصرف الله عنهم كل سوء ومكروه.
عباد الله : اعلموا عباد الله أن أصدق الحديث كتاب الله و خير الهدي...