الثوابت في حياة الأمة

الثوابت في حياة الأمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه...

عبادَ الله، أعظمُ نعمةٍ منَّ الله بها على عبادِه هدايتُهم للإسلام، فالإسلامُ أعظمُ النّعم وأجلّها وأكبرُها قدراً، {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}.

دين الإسلام دينُ عقيدةٍ وعمل، {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}. 
دين الإسلام دينُ دعوة وعلمٍ وهدى، {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}. 
دين الإسلام دينُ العدلِ والإحسان، {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }. 
دين الإسلام دينٌ محفوظ بحِفظ الله له من أن تتطرَّقَ له أيدي العابثين زيادةً أو نقصاناً، تحريفاً أو تغييراً، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَـافِظُونَ}. 
دين الإسلام دينٌ جاء ليبقَى، فقد كُتِب له الخلود والبقاء، {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}. 
دين الإسلام دينٌ لا يقبل الله من الخليقة ديناً سواه، {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.
دين الإسلام دينٌ رضيه الله لنا، {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً}. دينٌ أضافه الله لنفسه، {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ}.

دينٌ ضمِن الله لأهلِه أن يكونَ في الأرض من يقيم حجَّةَ الله إلى أن يرِث الله الأرضَ ومن عليها، في الحديث الصحيح: (ولا تزال طائفةٌ من أمّتي ظاهرين على الحقّ، لا يضرّهم من خذلهم ولا من خالفَهم حتى يأتيَ أمرُ الله).
هذا الدين العظيم الذي ختم الله به الشرائع والرسالات السماوية أودع الله فيه خاصيةً عظيمة ألا وهي الثبات والخلود والمرونة واليسر والسهولة، وهذا من واقع الإعجاز في هذا الدين، وآية من آيات عمومه وخلوده وصلاحيته لكل زمان ومكان.

فمن الثوابت في حياة الأمة التي لا تقبل التطوير ولا الاجتهاد ولا الإضافة مسائل الإيمان والعقائد، فتوحيد الله تعالى، والإيمان بأسمائه وصفاته، والإيمان بالملائكة والجنة والنار واليوم الآخر وعذاب القبر وغير ذلك من مسائل الغيب ثابتةٌ في دين الإسلام لا تقبل الإضافة مطلقاً. 

والصلوات من فرائض ونوافل لا تجوز الزيادة فيها على المشروع، فلا جديد على الصلاة والصوم والزكاة والحج.
من الثوابت في حياة الأمة المحرمات اليقينية من السحر وقتل النفس والزنا وأكل الربا وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات والسرقة والغيبة والنميمة.
من الثوابت في حياة الأمة أمهات الفضائل من تحقيق التوحيد لله والصدق والأمانة والعفة والصبر والوفاء بالعهد والحياء.
من الثوابت في حياة الأمة الأحكام القطعية في شؤون الأسرة والمجتمع التي ثبتت بالنصوص المحكمة، مثل إباحة الطلاق وتعدد الزوجات وإيجاب النفقة على الزوج.
من الثوابت في حياة الأمة إقامة العدل ومنع الظلم، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ}، وفي الحديث القدسي: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا).
من الثوابت في حياة الأمة شمولية الإسلام، فهو نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعاً {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}
من الثواب في حياة الأمة أن دين الإسلام حريصٌ على إقامة مجتمع العفاف والطهر، والقضاء على انحرافات الجاهلية، فمنع الاختلاط ودواعيه، وحرّم الخلوة بالمرأة الأجنبيّة ومصافحتها، وحثّ على غض البصر، وأمر بلباس شرعي ساتر للمسلمة.

من الثوابت في حياة الأمة أن دين الإسلام لا يمكن تجزئته، فلا بد أن يؤخذ كله كما أمر الله، عقيدةً وعبادة، أخلاقاً ومعاملةً، تشريعاً وتوجيهاً. 
من الثوابت في حياة الأمة أن دين الإسلام ليس مجرد عقيدة بلا عبادة وعمل، وليس عبادة بلا أخلاق ونظام يسود الحياة.
من الثوابت في حياة الأمة أن دين الإسلام حفظ للولاة حقهم وقرن طاعتهم بطاعته وطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}.
من الثوابت في حياة الأمة أن دين الإسلام حفظ للعلماء حقهم ورفع مكانتهم وأعلى شأنهم: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}، ونبَّه سبحانه على عظم مكانتهم حيث قرن شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته، على أعظم مشهود عليه وهو توحيد الله تعالى والقيام بالقسط قال الله تعالى: {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} 

من الثوابت في حياة الأمة أن دين الإسلام حمل بين جنباته قواعد التيسير والتسهيل على الأمة، فما يضيق أمر من الأمور إلا ودين الإسلام ييسر الأمر ويسهله، بل إن من القواعد الفقهية الكلية الكبرى التي تدخل في كل أبواب الفقه قاعدة (المشقة تجلب التيسير) يقول الله تبارك وتعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}، ويقول عز وجل: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}، ويقول عز من قائل: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً* إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً}.
إن الحديث عباد الله عن الثوابت في حياة الأمة من الأهمية بمكان، وذلك لأننا في زمنٍ كثر الحديث فيه عن التغيير والتقدم والتطور ومسايرة العصر.

عباد الله: إن الدين الإسلامي الحق لا يقف ضد التطور النافع السائر في إطار الشريعة، ولهذا لا عجب أن تجد الإسلام يحث على العلم النافع والعمل والحركة {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}، لا عجب أن نجد الله سبحانه وتعالى يحدثنا في قصة آدم عليه السلام عن العلم {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}، ويحدثنا في قصة نوح عن صناعة السفن {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ}، وفي قصة داود عن إلانة الحديد {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ}، يحدثنا عن التخطيط الاقتصادي في قصة يوسف {قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ}، وعن صناعة السدود في قصة ذي القرنين {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً * فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً}.

هذا هو دين الإسلام، لا يوقف سير الحياة، ولا يؤخر نموها، بل فيه الدافع الذي يحفز على السعي والحركة مع الضمان أن لا تضل أو تنحرف عن الطريق.
إن التطور والتحديث النافع في دين الإسلام هو السعي للتقريب بين واقع المجتمع المسلم في كل عصر وبين المجتمع النموذجي الأول الذي أنشأه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يكون ذلك بإحياء مفاهيم ذلك المجتمع وتصوراته للدين، يكون ذلك بإحياء مناهج في فهم النصوص وبيان معانيها، يكون ذلك بإحياء مناهج في تدوين العلوم والتعلم واقتباس النافع الصالح من كل حضارة وتنقية المجتمع وحمايته من شوائبها، يكون ذلك بالرد على المنحرفين الضالين عن الطريق الصحيح وتقويم اعوجاجهم وتنقية المجتمع المسلم من أفكارهم المنحرفة.

ولقد بشر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمته بأن يبعث الله لها من يجدد لها دينها على رأس كل قرن، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها) أخرجه أهل السنن بسند صحيح.
عباد الله: عاش المسلمون طيلة خمسة عشر قرناً في ظل الإسلام في عز ونصر وتمكين، فنشروا دين الله وأخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، وصدق الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }. 

أما المفهوم الخاطئ للتحديث والتجديد والتطور في دين الإسلام فهو ذلك المفهوم الذي يقدَّم فيه البعض من الناس هداهم الله خليطاً من مبادئ غير المسلمين ويريد من المسلمين أن يعيشوها واقعاً في حياتهم اليومية، كل ذلك بسبب قلة العلم والجهل بالأحكام الشرعية، يقول الله تبارك وتعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}.
إن مما أرهق المسلمين وأساء إلى دين الإسلام هذه الأيام الانحراف عن الدين الحق وعن منهج السلف الصالح من قِبَلِ بعض أبناء المسلمين هداهم الله، مع ما يدعون إليه من التطوير في ثوابت الدين، وركائز الإسلام في العقيدة والقيم، مما ينتهي بالأمة لو استجابت لهم إلى الانسلاخ من العقيدة والتحلل من الأخلاق والذوبان في الثقافات البشرية الأخرى: {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}.
والأدهى ـ عباد الله ـ أن يُنظر إلى ما له صلة بالدين وهدي المرسلين ينظر إليه أنه رجعي قديم يجب التحلل منه لمسايرة ركب الحضارة كما زعموا.
 
إن من رجع بأفكاره وعقيدته إلى الجيل الأول لا يُعد رجعياً، بل هو مؤمن صادق في إيمانه يطلب الطهر والعفاف، ويسعى لتطبيق سنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وسنة الخلفاء الراشدين من بعده.
عباد الله: إن قيمنا الراسخة المستمدة من الكتاب والسنة وهدي سلف الأمة هي الضمان الأوحد لإعداد جيل المستقبل، وأي نمو وتقدم للمجتمعات المسلمة يُعدّ محموداً إذا كان يحقق الأهداف الأساسية لحياة المسلم، وأبرزها: تحقيق العبادة لله رب العالمين، وإتباع سنة سيد المرسلين -صلى الله عليه وسلم-، وخلافة الله في الأرض، وعمارتها. وبقدر ما يحقق الإنسان من هذه المقاصد أو الأهداف يُعد تقدمه حقاً ونافعاً، قال الله تعالى، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ *وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، 

الخطبة الثانية

الحمد لله نحمده ونستعينه...

أيها المسلمون: ومع كمال الشريعة الإسلامية فإنه يظهر لنا بين الفينة والأخرى من يدعو إلى التجديد في دين الإسلام دون مراعاةٍ لضوابطٍ شرعية ولا قواعد مرعية، وإن المرء ليتساءل ماذا يريد هؤلاء بالتجديد والتطوير في دين الإسلام، أيريدون التهاون في توحيد الله الذي هو حق الله على العبيد {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}.
أيريدون التهاون في الدعوة إلى الله وهي سبيل نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.
أيريدون التهاون في شأن العلماء الربانيين ورثة الأنبياء والمرسلين الذين زكاهم الله تعالى بقوله: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ}.
أيريدون التهاون في شأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو صمام الأمان لهذه الأمة، وبالقيام به يحصل الفلاح {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
أيريدون التهاون في شأن الصلاة وهي أهم واجبات الإسلام بعد الشهادتين قال الله تعالى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}.
أيريدون التهاون في شعائر الإسلام {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ }.

أيريدون التهاون في شأن السفور والحجاب والاختلاط وهو أساس البلاء والدمار، يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: (ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا، فمن أعظم أسباب الموت العام كثرة الزنا بسبب تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال والمشي بينهم متبرجات متجملات، ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية قبل الدين لكانوا أشد شيء منعاً لذلك).أ.هـ.
أيريدون أن نكون تابعين لغيرنا، تابعين لأعدائنا يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}، ويقول {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ}.

أيريدون منا أن ننسلخ عن فظائلنا وقيمنا الراسخة الثابتة {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً}.
أيريدون أن يكتبوا ويتكلموا في الدين ويقولوا فيه حسب أهواءهم من غير زمام ولا خطام {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً}.فلا تغتر أخي المسلم بما يقوله المبطلون {وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}، وأعلم أخي المسلم أن مهمة التجديد في الدين موكلة بأهل العلم الراسخين الذين يوازنون بين المصالح والمفاسد وبين الضار والنافع وهو ما أخبر به -صلى الله عليه وسلم- (يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها).
فاتقوا الله تعالى عباد الله وضعوا نصب أعينكم قول الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (نحن قوم اعزنا الله تعالى بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيرة أذلنا الله)، ورحم الله الإمام مالكاً حيث قال: (لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها‏).
فاستمسكوا عباد الله من الإسلام بالعروة الوثقى، ثم أعلموا عباد الله أن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمر محدثاتها ...