أحكام الصيام

أحكام الصيام

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم،،، أما بعد

فإن الله جل وعلا قال في كتابه العزيز: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)، وقال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ)، في هذه الآيات بيان أحوال الناس في رمضان، وأنهم متفاوتون في ذلك.

فأولاً: المسلم البالغ العاقل القادر على الصيام السالم من كل الموانع المقيم أوجب الله عليه صيام رمضان أداءً، وهو أحد أركان الإسلام، (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)، وهذا بإجماع أهل الإسلام.

ثانياً: إن الله تعالى لم يطالب بهذه العبادة إلا من التزم شريعة الإسلام، فمن لم يكن موحِّداً لله فإنه لا يطالب بأركان الإسلام، حتى يعبد الله حقاً، وينقاد لشريعة الإسلام. وأما الصغير غير البالغ فإنه لا يطالب به فرضاً، ولكنه يُرغّب فيه، ويُحث عليه، حتى ينشأ محباً للصيام، فلقد كان أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم يُصوِّمون صبيانهم ويعطونهم اللعب من العهن، لكي يشتغلوا به عن طلب الطعام والشراب.

وأما الذي فقد ذاكرته، بأن أصابه الهرم سريعاً، ففقد ذاكرته، ولا يتصوّر الواقع، ولا يميّز بين الأحوال، سواء كان عن كبر أو كان لغير ذلك، فهذا لا شيء عليه، لا إطعام ولا صيام، لأنه فاقد الذاكرة، وقلم التكليف مرفوع عنه.

وأما الذي يعجزه الصيام لكبر سنه، أو أنه مصاب بمرض أعجزه عن الصيام، فإن الله يقول: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)، فهذا يُطعم عنه عن كل يوم مسكيناً، أفطر أنس بن مالك رضي الله عنه لما جاوز المئة قبل موته بسنتين، وكان يطعم عن كل يوم بُراً ولحماً عن كل يوم مسكيناً. وهذا من سعة الله وتيسيره، (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ).

وأما المسافر، فالله يقول: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)، وأجمع المسلمون على أن للمسافر أن يفطر في سفره، هذا حُكم الله الذي دل عليه كتابه العزيز، وسنة محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن من صام في سفره فلا ينكر عليه، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم، وسأل حمزة الأسلمي النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً: يا رسول الله، إن لي جملاً أعالجه، أسافر عليه وأكريه، وإنه يدركني هذا الشهر وأنا شاب أجد القوة على الصيام، وإني لو أفطرت شق علي القضاء، أفأصوم؟ قال: (كل ذلك لك يا حمزة) ، فخيّره بين الصيام والفطر. ولكن قال العلماء رحمهم الله: إن مجموع الأدلة تدل على أن المسافر الأصل جواز الفطر له، ولكن يستحب أن يفطر إن شق عليه الصوم في السفر أخذاً برخصة الله، يقول صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته).

وأما المريض فإن المريض لا يخلو من أحوال: إما أن يكون هذا المرض يسيراً، لا يؤثر عليه في صيامه، ولا يضعف نشاطه، فإن الواجب عليه أن يصوم، لأنه لا عذر له، ولكن لو كان الصوم مع المرض يُتعبه ويشق عليه من غير أن يُخاف عليه من الهلكة فإن السنة له أن يفطر أخذاً برخصة الله (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) أي إذا أفطر.

وأما إن كان الصوم مع هذا المرض يُهدد حياته، فإن الواجب عليه أن يفطر، لأن الله يقول: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ)، ويقول: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه).

أخي القارئ الكريم المرأة المسلمة إذا طرقها الحيض وهي صائمة وجب عليها الفطر، لأنه يحرم عليها الصوم وقت خروج الحيض، ولو كان خروجه قبل المغرب بدقائق، أفسد صومها ووجب عليها الفطر وقضاء ذلك اليوم الذي أفطرته.

والحامل إذا شق عليها الصوم، وكان الصوم سبباً لضعف الحمل ونحو ذلك أو ضعفها هي، أو كانت مُرضعة إذا صامت ضعف إدرار الثدي للطفل، فإنها تفطر وتقضي يوماً مقامه، فإن كان لأجل الطفل قضت ويستحب أن تطعم مع القضاء إن كان فطرها لأجل طفلها، وإن كان لأجل ذاتها فإنها تقضي فقط.

وأبيح الفطر لمن احتاج إليه، لإنقاذ معصوم من هلكة، ومساعدة في كوارث ونحو ذلك، لأن هذا الدين جاء بكل يسر وكل خير.

أيها الصائم المسلم، إنك مؤتمن على صيامك، كما أنت مؤتمن على طهارتك وصلاتك وزكاتك وحجك، فالصوم أمانة عندك، وسرّ بينك وبين ربك، لا يطّلع عليه إلا الله، ولذا عظم جزاؤه وكثر خيره، فاعلم أخي المسلم أن الإجماع قد انعقد على أن من تعمد الأكل في نهار رمضان، أو تعمد الشرب في نهار رمضان، أو تعمد إتيان زوجته بعد طلوع الفجر الثاني فإن صومه فاسد، وهذا أمر مجمع عليه بين المسلمين.

فيا أيها القارئ الكريم، اتق الله في صيامك، وصنه عن المفسدات والمنقصات. 

واعلم أخي أن إتيان المرأة في رمضان أمر محرم شرعاً، إتيان الرجل امرأته في نهار رمضان أمر محرم شرعاً، لأن الله جل وعلا قال لنا: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ)، فأباح ذلك في الليل، وحرم على المسلم ذلك في النهار، فمن اقترف هذه الجريمة، فقد عصا الله على بصيرة، فالواجب عليه التوبة إلى الله، وقضاء ذلك اليوم، والإتيان بالكفارة المغلظة، وهي عتق رقبة فإن لم يجدها صام شهرين متتابعين فإن لم يستطع الصيام أطعم ستين مسكيناً ويجب عليه أن لا يقرب امرأته حتى يكفر.

واعلم أن هذا من كبائر الذنوب، فابتعد عن كل ذلك وما يفضي إليه من الوسائل، حفاظاً على صومك الذي ائتمنك الله عليه.

أخي القارئ: ما يقوم مقام الأكل والشرب من تلك المغذيات التي توضع على المريض لتعوضه عن طلب الطعام والشراب فتلك أيضاً مفطّرة للصائم. 

حقن الدم في المريض في نهار رمضان يفسد الصوم إذ الدم غذاءٌ للإنسان، وكذا إخراج الدم من طريق الحجامة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفطر الحاجم والمحجوم)، فإخراج الدم من طريق الحجامة أو سحب دم كثير لإسعاف المريض المضطر إليه، يفسد الصوم أيضاً ويوجب القضاء.

أخي القارئ، إن محاولة إخراج المادة المنوية من الإنسان في نهار رمضان بسبب منه، يفسد الصوم ويوجب القضاء، وهي العادة المستهجنة القبيحة، فإنها ضارة ومع ضررها فهي مفطرة للصائم إذا استعملها.

أما خروج المني من طريق احتلام في النوم، أو تفكير عرض له فإن ذلك معفو عنه، لأن الاحتلام بغير اختياره، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (عفي لأمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه).

أخي القارئ الكريم خروج الدم من طريق الفم بالسعال، أو الأنف بالرعاف، أو الناسور أو جروح حصلت لك من غير اختيارك، فكل ذلك لا يؤثر على صيامك. وكذا استعمالك أخي المسلم القطرات في العين والأذن لا يُؤثر على الصيام حتى لو أحسست بطعمها في حلقك لأن العين والأذن ليستا من منافذ البدن المعتادة للأكل والشرب والتغذية، وكذا استعمال التحليل اليسير لا يؤثر على الصيام، استعمال الإبر في العضل أو الوريد لا يؤثر على صيام ما لم تكن إبراً مغذية، قلع السن في رمضان لا يؤثر على الصيام، أما طلبك القيء ومحاولتك أن تستقيء فهذا يفسد صيام، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من استقاء فعليه القضاء، ومن ذرعه القيء فلا قضاء عليه)، استخدام بخاخ الربو الفينتولين أو البخار لمن هو مصاب بالربو لا يفسد الصوم أيضاً.

فتفقهوا إخواني القراء في دينكم، واعبدوا ربكم على بصيرة، واحفظوا صيامكم من كل ما يفسده وينقّص ثوابه.

هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد،،،