حكم استخدام التقنية الحديثة في تنفيذ عقوبة الإعدام

حكم استخدام التقنية الحديثة في تنفيذ عقوبة الإعدام

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم،،، وبعد

إذا ما أرتكب إنسان جريمة قتل عمد عدوان واستحق بذلك العقوبة بالقصاص، وجاء وقت تنفيذ العقوبة، فبأي آلة يتم تنفيذ هذه العقوبة؟

في البدء لابد أن يُعلم أن الله تعالى كتب الإحسان على كل شيء وفي كل شيء، فأوجبه -أي الإحسان- في الذبح للبهيمة والقتل لمستحق القتل، فعن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: ثنتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إِنَّ الله كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ, فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ, وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيَحُدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ, وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ).

ولأن المقصود من الإحسان تنفيذ العقوبة بأسهل الآلات التي تريح المقتول، ويحصل بها التشفي من الجاني، قال الموفق ابن قدامة رحمه الله:(وَإِنْ عُلِمَ قَطْعٌ أَوْحَى مِنْ هَذَا, قُطِعَ بِهِ).

ثم إن الفقهاء المتقدمين في العصور الماضية – رحمهم الله – لم يغفلوا عن هذه المسألة بل بحثوها واجتهدوا في البحث عن الصواب فيها، ونتج عن ذلك خلاف حول آلة تنفيذ العقوبة على قولين هما:

القول الأول: أن العقوبة تنفذ بالسيف لمن كانت عقوبته القتل، ويعزر ويأثم من استخدم غير السيف، وإلى هذا ذهب فقهاء الحنفية، وفقهاء الحنابلة، وهو قول جمع من السلف كالشعبي، والحسن البصري، وعطاء، والنخعي، والثوري.

وقد أستدل أصحاب هذا القول بعدة أدلة، أذكر منها على سبيل المثال:

ما روي عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ).

فقد دلَّ هذا الحديث على حصر القود واستيفائه بالسيف، ونفيه عن غيره؛ وذلك للإتيان بأسلوب الحصر والقصر بالنفي، فيقتضي عدم جواز تنفيذ العقوبات بغير هذه الآلة، فاستعمال غيرها مخالفة ظاهرة للنص، فالقود لا يكون إلا بالسيف.

إلا أن هذا الاستدلال قد أجيب عنه بأن الحديث لا تقوم به حجه لضعف جميع طرقه، فهي إما واهية أو مرسلة، وعلى فرض صحة الحديث فإنه محمول على القتل، إن كان بالسيف.

واستدلوا أيضاً بما روى شداد بن أوس رضي الله عنه قال: ثنتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إِنَّ الله كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ, فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ, وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيَحُدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ, وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ).

وبما روي عن عقبة بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(عُقُوبَةُ هَذِهِ اَلأُمَّةِ بِالْسَّيْفِ).

وقالوا: أمر الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث شداد بن أوس رضي الله عنه بإحسان القتل، وإراحة ما أحل الله تعالى ذبحه من البهائم، وبنو آدم في ذلك أولى وأحرى، وإحسان القتل في بني آدم لا يحصل بغير ضرب العنق بالسيف، وهذا هو المعروف عند الصحابة رضي الله عنهم إذ كانوا إذا رأوا رجلاً يستحق القتل، قال قائلهم: يا رسول الله، دعني أضرب عنقه؟

ولم ينكر عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الأمر، فكان كالأمر المستقر عندهم.

وأجيب عن هذه الأحاديث بأنها عامة، قد خصصت بما يدل على عدم اشتراط السيف في تنفيذ العقوبة. 

أما القول الثاني في المسألة: فهو أن العقوبة يجوز تنفيذها بغير السيف، أي يصنع بالجاني كما فعل بالمجني عليه، وإلى هذا ذهب فقهاء المالكية، وفقهاء الشافعية، وهو قول للحنابلة في رواية عن الإمام أحمد، وهو أيضاً قول جمع من المحققين كابن عبد البر، وابن دقيق العيد، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، رحمهم الله تعالى.

وقد استدلوا بعدة أدلة، أذكر منها: قال الله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}. وقال سبحانه:{ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ}. وقال عز وجل:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}.

وقالوا إن الله تعالى بيَّن في الآيات السابقة أن العقوبة تنفذ بمثل ما جنى به الجاني، فيفهم منها عدم اشتراط السيف في تنفيذ العقوبة. 

ويمكن أن يجاب عن هذا الإستشهاد بعدة أمور، هي:

أولاً: هذه الآيات عامة، وتخصص بما ليس فيه مثلة، وذلك جمعاً بينها وبين الأحاديث الواردة في النهي عن المثلة، كقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه (كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَحُثُّنَا عَلَى الصَّدَقَةِ , وَيَنْهَانَا عَنْ الْمُثْلَةِ) ، وبما روى بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: (كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إذَا أَمَّرَ أَمِيراً عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ, أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى الله تَعَالَى, وَبِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْراً, ثُمَّ قَالَ: اُغْزُوا بِسْمِ اللَّهِ, وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاَلله, اُغْزُوا, وَلَا تَغُلُّوا, وَلَا تَغْدِرُوا, وَلَا تُمَثِّلُوا).

ولكن يمكن الرد على هذا بعدم التسليم أن هذه الأحاديث الناهية عن المثلة مخصصة لهذه الآيات؛ وذلك لورد صور في الشرع فيها مثلة. 

ثانياً: أن عدم تنفيذ العقوبة بالسيف والمماثلة في تنفيذها بغيره قد تفضي إلى الزيادة وهي اعتداء.

ويمكن أيضاً الرد على هذا الجواب بأن المماثلة والعدل في القصاص مرعيان لاشك، وفي العقوبة بجنس ما فعله الجاني تحرٍّ للمماثلة بحسب الإمكان، وهذا أقرب إلى العدل المأمور به، وأما الزيادة أو النقص القليلان فعفوٌ لا يدخل تحت التكليف.

واستدلوا أيضاً بما روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال:(إنَّ يَهُودِيّاً رَضَّ رَأْسَ جَارِيَةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ, فَقَتَلَهَا. فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِرَضِّ رَأْسِهِ بَيْنَ حَجَرَيْنِ).

وقالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن يقتص من اليهودي بنفس الآلة التي قتل بها الجارية، وهذا يدل على أن آلة القتل لا يشترط فيها السيف.

ولكن يجاب عن هذا الاستدلال بعدة وجوه، منها:

أولاً: اضطراب متن الحديث، فقد روي بعدة روايات منها: الرض، والرضخ، والرجم، وكذالك بعضها حدد موضع الضرب، وهو الرأس، وبعضها لم يحدد، وفي بعضها ذكر حجرين بالتثنية، وفي أخرى الحجارة بالجمع، وهذا كله اضطراب في المتن.

والرد على هذا الجواب هو:لا خلاف أن القصة واحدة، فتحمل بعض الروايات على بعض، كما أن الرض، والرضخ، والرجم، كلها عبارات عن الضرب بالحجارة، وبعض الروايات بيَّنت موضع الضرب، وأنه الرأس، وبعضها لم يبينه، فيأخذ بالبيان.

ثانياً: أن هذا ليس على سبيل القصاص، بل هو لاحتمال أنه نقض العهد، أو لكونه محارباً؛ إذ لا يجوز أن يقتل بإماء الصبية وإشارتها، وهذا لا يوجب القصاص، فلا بد أن يكون هناك سبب آخر استحق به القتل، لم ينقله الراوي، فالرسول صلى الله عليه وسلم قتله بهذه الصفة حداً، لمَّا أخذ المال وقتل، وقد كان ذلك جائزاً على وجه المثلة، كما في قصة العرنيين، ثم نسخ بالنهي عن المثلة.

والرد أيضاً على هذا الجواب: هو القول بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قتله على سبيل الحد لا القصاص غير صحيح؛ إذ لو كان صحيحاً لم يقتله الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بالسيف في العنق، ولا يرضخ رأسه.

كما أن اليهودي أقر بالقتل، فقتله الرسول صلى الله عليه وسلم بناءً على ذلك، فلا يكون قتله بإيماء الصبية وإشارتها.

وأما دعوى النسخ فلا تصح؛ لعدم معرفة التاريخ، ولا السبب الدال عليه، والنسخ لا يثبت بالاحتمال.

ومن الأدلة التي تقوي هذا القول أن معنى القصاص والقود إنما يتحقق إذا فعل بالجاني مثل ما فعل هو بالمجني عليه، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله :(الْقِصَاصُ مَوْضُوعٌ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ, وَلَفْظُهُ مُشْعِرٌ بِهِ, فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْهُ مِثْلُ مَا فَعَلَ).

وقال الإمام ابن حزم رحمه الله :(الْقَوَدُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ: الْمُقَارَضَةُ بِمِثْلِ مَا ابْتَدَأَهُ بِهِ, لَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ فِي أَنَّ قَطْعَ الْيَدِ بِالْيَدِ, وَالْعَيْنِ بِالْعَيْنِ, وَالْأَنْفِ بِالْأَنْفِ, وَالنَّفْسِ بِالنَّفْسِ, كُلُّ ذَلِكَ يُسَمَّى " قَوَداً ". فَقَدْ صَحَّ - يَقِيناً - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا أَمَرَنَا بِالْقَوَدِ فَإِنَّهُ إنَّمَا أَمَرَنَا بِأَنْ يُعْمَلَ بِالْمُعْتَدِي فِي الْقَتْلِ - فَمَا دُونَهُ - مِثْلُ مَا عَمِلَ هُوَ سَوَاءً سَوَاءً، هَذَا أَمْرٌ تَقْتَضِيهِ الشَّرِيعَةُ وَاللُّغَةُ، وَلَا بُدَّ).

وعليه فالقصاص موضوع للمماثلة، وهي معتبرة في النفس، فكان أولى أن تعتبر في آلة القتل.

والذي أميل إليه بعد عرض أدلة الفريقين– والله أعلم – صحة ما ذهب إليه أصحاب القول الثاني من عدم اشتراط السيف في تنفيذ العقوبة، وذلك لصحة ما استدلوا به، وسلامة أدلتهم من المعارضة، ولضعف الحديث الذي اعتمد عليه القائلون باشتراط السيف، والإجابة عمَّا استدلوا به.

إلا أن استخدام السيف في تنفيذ العقوبة وخاصةً في العنق، يحقق الإحسان لمن تنفذ في حقه العقوبة؛ ذلك أن الحبل الشوكي موجود في العنق، وهو الذي يربط عصب الإحساس بجميع الجسم، وبقطعه ينقطع الإحساس عن الجسم، فلا يحس المقتول من الألم إلا ألم ضربة السيف.
أما فيما يتعلق بالناس فإنهم يرون في ذلك تعذيباً للميت بقطع رقبته، وفصلها عن جسده، فهل يقال - بناءً على هذا الترجيح - : أنه يجوز اللجوء إلى تقنيات حديثة، فيها إحسان للمقتول، وإراحة له من غير أن يكون في نظر الناس تعذيب لذلك الميت؟

إمكان تنفيذ العقوبة بغير السيف من خلال التقنية الطبية الحديثة

ما سبق كان عرض موجز لكلام الفقهاء قديماً رحمهم الله، وبناءً على ذلك لابد أن يعلم أن المقصود من القصاص هو إزهاق روح الجاني وإذاقته ألم الموت نتيجة فعلته بالمجني عليه، ولأن ما توصلت إليه من الناحية الفقهية هو القول بعدم اشتراط السيف في تنفيذ عقوبة القتل، فمتى وجد ما هو أسرع من السيف وأسهل وأوحى، فهو مقتضى الإحسان في القتل المأمور به.

فالمجتمعات السابقة عرفت من طرق إزهاق النفس القتل بالسيف وبالمقصلة والشنق واحتساء السم، ومع تطور الحياة وظهور التقنيات الحديثة، ظهر آلات أخرى يمكن استخدامها في إزهاق الروح، كالكرسي الكهربائي، والقتل بالرصاص، والخنق بالغاز، والحقنة المميتة، وربما ظهر في المستقبل أمور أخرى أسرع وأوحى وأسهل من هذه التقنيات، ويتحقق بها المقصود فيلجأ إليها في حينه، ما لم يترتب على استخدامها محرم شرعاً.
وفيما يلي ذكر لهذه التقنيات الحديثة:

الكرسي الكهربائي: 

الكرسي الكهربائي هو آلة تنفيذ عقوبة القتل في بعض الدول الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية، والصين وغيرها من دول العالم، وكان مكتشف الكرسي الكهربائي هو طبيب الأسنان هيرولد براون عام 1888م، وهذه الآلة لا تجلب موتاً سريعاً؛ إذ إن الموت الذي يحدث من جرائها إنما يحدث بعد الصعقة الكهربائية الثالثة، فالصعقة الأولى تصيب المقتول بألم عضلي حاد يشعر به، وهو في كامل وعيه، وفي الصعقة الثانية تستمر المعاناة من الآلام مع عدم الفقدان التام للوعي، والصعقة الثالثة هي التي بها يغيب وعيه، وتزهق روحه بعد حوالي ربع ساعة من بداية عملية الصعق الكهربائي.

ومن المعلوم أن الصعق الكهربائي يسري في الجسم كله طول هذه المدة (ربع ساعة) مما يسبب التشوهات المحرقة لجسد الجاني في غالبية أعضائه، مما يجعله نتن الرائحة بعد موته.

وهذه الآلة ليست آمنة من الحيف، بل ربما حصل فيها خطأ لا تحمد عقباه، فقد جاء في جريدة الرياض في عددها ذي الرقم (10282) بتاريخ 5/4/1417هـ، تحت عنوان (خطأ في تنفيذ الحكم يحول مجرماً إلى جثة متفحمة): أنه في حادث إعدام مجرم في ولاية تكساس الأمريكية بالكرسي الكهربائي، لم يستطع الحرس المكلفون بتنفيذ الحكم من فصل التيار الكهربائي إلا بعد ساعة وأربع عشرة دقيقة، مما أدى إلى احتراق جسم المحكوم عليه بالإعدام، وتحوله إلى كتلة صغيرة متفحمة.

ولا شك أن المتأمل لهذه الآلة يعلم مدى مخالفتها لتعاليم الدين الحنيف، في الرفق بالمقتول والإحسان إليه.
الرمي بالرصاص:
بأن يطلق على الجاني عدة طلقات من المسدس حتى يفارق الحياة، وهذه الطريقة مستخدمة في كثير من دول العالم في تنفيذ عقوبة القتل.

وهذه الآلة مع كونها سريعة النتائج، إلا أنها لا يؤمن فيها الحيف والتعدي؛ إذ إن كثرة الرصاصات المتوجهة للجاني قد تصيبه في غير مقتل مما يسبب الألم الشديد، والتعذيب، وفيها - أيضاً – تشويه؛ إذ إن شدة الطلقات تسبب تمزق الجسم وخروج الأشلاء منه، وهذا من التمثيل المنهي عنه.

الخنق بالغاز:

بأن يدخل المحكوم عليه بالإعدام إلى غرفة محكمة الإغلاق، يتسرب غاز خانق من فتحات داخل هذه الغرفة، ويضاف مع هذا الغاز بعض الروائح المستحسنة، التي لا تجعل من استنشاقه أمراً منفراً للمحكوم عليه، كما أنه يراعى في هذا الغاز سرعة فعاليته، وتأثيره في الجهاز التنفسي، حيث يعطل خلايا الرئة التنفسية، مما يسبب احتباس الغاز السام وثاني أكسيد الكربون في خلايا الجسم، ويؤدي إلى الموت السريع، وهذه الآلة مطبقة في ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية.

وهذه الآلة فيها نوع من الإحسان للمحكوم عليه؛ إذ إنه يحس بدوار، ثم يغيب عن الوعي تدريجياً، ثم يفارق الحياة خلال ربع ساعة من بداية استنشاقه للغاز، وقد تطول المدة أو تقصر، بناءً على كمية الغاز المتسرب للغرفة.

الحقنة المميتة:

وهي أحدث ما وصلت إليه التقنية في هذا العصر، حيث يحقن وريد المحكوم عليه بالقتل بمادة مخدرة ومادة أخرى لها تأثير قاتل، مما يسبب مفارقة المحكوم عليه الحياة، وهو فاقد الوعي، وهذه الطريقة مستخدمة في بعض الولايات الأمريكية وبعض الدول الأخرى، ويعتبرها البعض من أنفع الطرق وأحسنها في تنفيذ عقوبة القتل، ذلك أن المحكوم عليه لن يحس إلا بوخز الإبرة فقط، وبعدها بثوانٍ يتخدر، ويفارق الحياة.
كما أن في هذه الطريقة مراعاةً لمن يحضر تنفيذ العقوبة، إذ يرى المحكوم عليه يموت على فراشه، من دون ألم يصدر منه.

الآثار المترتبة على الأخذ بالتقنية الحديثة في تفضيل تنفيذ العقوبة بغير السيف

إن هذه الطرق الأربعة التي ذكرتها، والتي يتم تنفيذ العقوبة بها، لا تخلو من محاذير شرعية: ففي الكرسي الكهربائي والرمي بالرصاص حيف وزيادة وتعذيب.

أما الخنق بالغاز، والحقنة المميتة، ففيهما استخدام للمخدر وهو محرم، ولا يجوز تطبيق الشرع بأمر محرم، أما إذا كان لهما تأثير على بدن المقتول، فإنهما يمنعان تخريجاً على منع استخدام السم في القصاص بالمماثلة.
والمخدر والسُّم كانا موجودين في الأزمنة الماضية، ولم يرد عن أحد من الفقهاء جواز استخدامهما في حال تنفيذ عقوبة القتل.

فالذي أراه – والله أعلم – عدم جواز استخدام هذه التقنية الحديثة في تنفيذ العقوبة، لانعدام التشفي من أولياء المجني عليه، وخلوها من الردع والزجر للمفسدين؛ إذ إن طريقة الموت لا يهابها المجرمون كغيرها من الطرق، وأرى أن يستخدم السيف بدلاً عن هذه الطرق، أو يفعل بالجاني مثل ما فعل بالمجني عليه ما لم يكن الفعل محرماً.

هذا ما توصلت إليه في هذه المسألة، والله أحكم وأعلم.

منشور في مجلة الدعوة العدد 2197

18/6/1430هـ