هل نملك العدالة الأكاديمية في جامعاتنا

هل نملك العدالة الأكاديمية في جامعاتنا

لم يغب عن أنظار من صاغ اللوائح الموحدة للجامعات السعودية تحقيقُ العدل والمساواة بين أفراد المجتمع الأكاديمي الواحد، بل إن معظم تلك اللوائح المعتمدة والتي تطبق حالياً روعي فيها هذا الجانب حق المراعاة، فعضو هيئة التدريس وهو من يقوم بالعملية التعليمية ينتج أكثر ويتفاعل مع المجتمع الأكاديمي الذي يعمل فيه إذا أحس بالعدالة والمساواة مع زملائه، أما إذا غاب هذا المفهوم عن حياته العملية؛ فإنه ينقلب إلى عضو خامل سرعان ما يحس بالكسل واللامبالاة وينعكس ذلك مباشرةً على إنتاجه وبالتالي على الجهة الأكاديمية التي يعمل بها. 
ولاة الأمر في بلادنا المباركة لم يألوا جهداً في تطوير المؤسسات الأكاديمية والرقي بمستواها الفني والإداري بل والتعليمي، فقد وفقهم الله في اختيار مديرين مخلصين لجامعاتنا، فعلى عمدائنا ورؤساء أقسامنا الاقتداء بمن وضع ولي الأمر ثقته فيهم، ومساعدتهم في حمل الأمانة التي تحملوها، فالمسؤولية تقع في المقام الأول عليهم، فهم الجهات التنفيذية في التجمعات الأكاديمية، وهم من يقوم بالتطبيق الفعلي للتعليمات والتوجيهات الصادرة من ولي الأمر والتي غرضها تحقيق العدالة الأكاديمية بجميع صورها. 

ما ينبغي أن يعلمه جميع التنفيذيين الأكاديميين أن عصر المركزية في العمل الأكاديمي قد ولَّى وحلَّ محله عصر جديد يعتمد على مشاركة جميع أعضاء هيئة التدريس في صناعة القرار الأكاديمي وفق اللوائح المعتمدة بما يضمن جودة العمل، وبما يحقق العدالة، ويتيح الفرص، ويحفظ الكرامة لعضو هيئة التدريس.هذا المبدأ المهم في العمل الأكاديمي لا بد أن يكون حاضراً في ذهن الجهات الأكاديمية العليا في جميع المؤسسات الجامعية، فلا مجال للمحاباة، ولا مجال (للتهميش) بل إن المشاركة ومنح الثقة في عضو هيئة التدريس يحققان العدالة الأكاديمية المنشودة، وغياب هذا المفهوم يفقد العمل الأكاديمي تميزه ورونقه وجماله، وقبل ذلك هيبته وقوته. 

فعندما تقصر الثقة على عضو هيئة تدريس واحد، فيعين عميداً، ويتنقَّل بين عدد من الكليات والعمادات المساندة لأكثر من عشر سنوات، وكأنه لا يوجد بين أروقة المجتمع الأكاديمي من هو محل الثقة ويمكن أن تتحقق فيه العدالة الأكاديمية، فهذا الأمر ينعكس سلباً على ذلك المجتمع الأكاديمي، ويفقده الثقة والشعور بانعدام العدالة والمساواة. 

أحد أعضاء هيئة التدريس في إحدى الجامعات كاد يعتذر عن القيام بأهم واجب عليه وهو التدريس في الجامعة؛ وذلك بحجة أنه عضو في أكثر اللجان التي تشكل داخل الجامعة أو خارجها، مما يوحي أن هذا (الفلتة) لا نظير له ولا شبيه، بل هو الرجل الوحيد في هذه المؤسسة التعليمية الذي بيده حل معضلات الأمور؟!! لا أشك أن في الجامعات السعودية من الكفاءات والخبرات من لم يُتح له المجال، بل ولم يسمح له حتى بإبداء الرأي في أمور تمس طبيعة عمله وتخصصه، وهذا خلل أكاديمي ينبغي إصلاحه، وتلافي حدوثه . 

التهميش من الوسائل التي يستخدمها بعض أصحاب النفوذ الأكاديمي؛ وذلك لخدمة أشخاص لهم الحظوة، فمن أشد أنواع التهميش في نظري هو التهميش الإقليمي أو المناطقي، وإن كان هذا النوع موجوداً في بعض التجمعات الأكاديمية إلا أنه في طريقه للزوال والاضمحلال، إذ لا دين يقره ولا نظام يسنده، وإنما الهوى والشهوة نسأل الله تعالى العافية. 

أما التهميش الأكاديمي الذي يقصد منه إقصاء عضو أو أكثر من أعضاء هيئة التدريس عن المشاركة في صياغة القرار، أو حتى إتاحة الفرصة له في الإحساس بأهميته وقيمته الأكاديمية وانتمائه لجامعته، فإن ذلك الخلل نتاج وثمرة من ثمرات غياب العدالة الأكاديمية. 

هذا النوع من التهميش موجود ومشاهد في بعض التجمعات الأكاديمية، سواءٌ على مستوى الأقسام العلمية أو على مستوى القرارات الفردية، وخذ على ذلك مثالاً: قسم علمي في إحدى الجامعات قراراته وتوصياته التي يتخذها في جلساته الأكاديمية لا تؤخذ بعين الاعتبار لدى المجالس العليا في نفس الجهة الأكاديمية، بل ربما يهمش رأي القسم العلمي أو يتجاوز، وتتخذ القرارات الأكاديمية المهمة والتي هي في الأساس من اختصاصاته دون الرجوع إليه، علماً أن اللوائح الموحدة كفلت لمجالس الأقسام هذه الحقوق، في حين أنها لم تمنحها لمجالس أخرى إلا بعد موافقة القسم المختص. 

هذه النظرة التهميشية لدى بعض السلطات الأكاديمية لزملائهم الآخرين، والإحساس بأن الكفاءات قليلة تجعل المجتمع الأكاديمي يراوح مكانه ولا يتقدم أي خطوة للأمام وبالتالي يتزعزع الاطمئنان الوظيفي لديهم.بل وصل الأمر ببعض أعضاء هيئة التدريس إلى الشعور بالكآبة، وانخفاض الروح المعنوية عند ذهابه إلى الجامعة، وعدم إحساسه بالولاء الوظيفي لجامعته، والهروب منها بعد إتمام محاضراته مباشرةً، والسبب في الغالب تلك الممارسات الخاطئة التي تقع من بعض أصحاب النفوذ الأكاديمي وتنعدم فيها العدالة والمساواة. 

إن الأمر إذا استمر على هذا المنوال، سيقود جامعاتنا إلى هوة سحيقة لا يعلم قاعها إلا الله وحده، فلا بد من إدراك مراكبنا الأكاديمية قبل أن تغرق، ولابد أن نشخص الداء في أسرع وقت ممكن، وأن نصف الدواء ونتناوله حتى ولو كان مراً. 

ويمكنني هنا أن أذكر بعض المعالم العامة التي أقدمها على أنها نواة أو بذرة تفتح الطريق لمثل هذه النقاشات لعل الله أن ييسر لها من يخرجها إلى النور. 

فأولاً: لابد أن يستشعر من ولاهم الله أمراً هاماً من أمور هذه المؤسسات الأكاديمية أن الجميع سيسأل وسيحاسب يوم القيامة، فهي أمانة ومسؤولية، (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته). 

ثانياً: فتح باب الحوار والنقاش الداخلي بين أعضاء هيئة التدريس، فهم أقدر الناس على حل مثل هذه الأمور، والعمل على تصحيحها، وعقد الندوات لذلك، والاستماع للرأي والرأي المضاد، فعضو هيئة التدريس حريص على خدمة دينه وبلده ومجتمعه الأكاديمي وبما يحقق المصلحة العامة. 

ثالثاً: العمل على تطبيق اللوائح المعتمدة والبعد عن التفسيرات الشخصية وغير المنطقية لها. 

رابعاً: التجرد التام عن القيود الدخيلة التي لا علاقة لها بالعمل الأكاديمي، والابتعاد عن المصالح الفردية، والنظر إلى المجتمع الأكاديمي الواحد بعين العدل والمساواة بما يحقق الخير والصلاح لجميع أفراد هذا المجتمع دون تفريق أو تمييز أو تهميش. 

أسأل الله تعالى أن يصلح الأحوال، وأن نسمع ونرى ما يسرنا قريبا إن شاء الله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.