لقاء صحفي حول دور الخدمة الاجتماعية في المحاكم الشرعية

لقاء صحفي حول دور الخدمة الاجتماعية في المحاكم الشرعية

  اللجنة الإعلامية للملتقى

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم،،، وبعد

في البداية أتقدم لمجلتنا المباركة مجلة الدعوة ولجميع العاملين فيها بالشكر والتقدير إذ منحوني هذه الفرصة لأشارك مع اللجنة الإعلامية في الملتقى العلمي الثالث الذي تقيمه وزارة العدل ضمن مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير مرفق القضاء، تحت عنوان (دور الخدمة الاجتماعية في المحاكم الشرعية بالمملكة العربية السعودية)، ويسرني أن أجيب على الأسئلة المرفقة:

1 – ما رؤيتكم لمشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير العمل القضائي في محاكم المملكة ؟ وما الجديد الذي يستطيع أن يقدمه للإجراءات القضائية؟

يعد مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير مرفق القضاء نقله تاريخية وحضارية غير مسبوقة يشهدها مرفق القضاء بالمملكة العربية السعودية؛ إذ بهذا المشروع العملاق يتم تطوير النظم العدلية والنظم التقنية وتهيئة الكوادر وتوفير الوظائف والتجهيزات والمباني ويتم بناء البيئة القضائية الصحيحة والسليمة بشكل عام؛ ليتحقق الهدف والغاية المرجوة من هذا المشروع على وفق ما أراد خادم الحرمين الشريفين أيده الله وبارك في عمره وعمله.

وهذا المشروع نقل القضاء في المملكة العربية السعودية إلى عهد جديد ومرحلة جديدة بعيداً عن الجمود والخمول والكسل والرتابة التي كانت في السابق، ويساهم هذا المشروع في تميُّز السلك القضائي بجميع مرافقه وملحقاته تميزاً لا نظير له، إذ لم يشهد مرفق القضاء ما يشهده الآن في هذا العهد الزاهر من تطور ورقي في شتى المجالات.

ولا يفوتني في هذا الصدد أن أشيد بجهود وزارة العدل ممثلة بمعالي وزيرها الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى وفقه الله لكل خير والذي كانت له البصمات الواضحة والجلية في تفعيل مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير القضاء؛ حيث استطاع بحنكته وصواب رأيه القضاء على كثير من الإشكالات التي كان يواجهها السلك القضائي وتؤدي إلى بطء العمل وتأخر القضايا مما ساعد على سرعة الإجراءات في المحاكم وكتابات العدل، كما ساهمت خبرته القانونية والإدارية في استحداث وكالات وإدارات جديدة في الوزارة، ومن ضمنها وكالة الوزارة لشؤون التوثيق، والتي ستساهم في القضاء على إشكالات الأراضي.

وأنا في الحقيقة متفائل جداً بهذه الجهود التي لو ذكرناها لما استطعنا إيفائها حقها، لكني أعلم أن الإخلاص في العمل هو الذي قاد لمثل هذه الإنجازات المباركة وفي وقت وجيز. 

2 – ما أهمية الملتقيات والندوات في العمل القضائي؟ وكيف يمكن الاستفادة من مخرجاتها لصالح العملية القضائية؟ 

لا شك أن تلاقي الأفكار وتبادل الآراء بين أهل الخبرة القضائية يفيد كثيراً في تطوير العمل القضائي، فالفقهاء قديماً رحمهم الله ذكروا أن من آداب القاضي المشاورة إذ فيها فائدة مؤكدة للقاضي؛ لأنها تساعد على انكشاف ما غمض أو خفي عليه، فقد كان أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب يستشيران كبار الصحابة وعلماءهم كعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين، والملتقيات والندوات هي في الحقيقة من هذا الباب؛ إذ يلتقي صاحب الخبرة الطويلة في العمل الإداري والقضائي بصاحب الخبرة القصيرة والمعين حديثاً، فتتلاقح الأفكار وتبرز الآراء المبنية على التجربة والمشاهدة، إضافةً إلى معرفة الإشكالات التي تواجه العمل القضائي سواءً من قصور في بعض الإجراءات أو تطويل لبعض المعاملات، ويتم من خلالها تسجيل وتوثيق كل ذلك ومعرفته معرفةً تامة مما يسهم في التطوير والرقي بمستوى القضاء في المملكة العربية السعودية. 

3 – كيف ترون نظرة العالم من حولنا للقضاء في المملكة؟

المملكة العربية السعودية تعتمد في قضائها على الكتاب والسنة وهذا ما نص عليه النظام الأساسي للحكم، وفي تصوري أن العالم من حولنا ينظر للقضاء في المملكة أنه قضاء يتسم بسمات ويتميز بميزات منها على سبيل المثال: أنه رباني المصدر إذ يعتمد على مصدر إلهي لا دخل للبشر في وضعه مما يزيده قوةً وثباتاً واستمراراً، إضافةً إلى وجوب تسبيب الأحكام القضائية إذ الحكم غير المسبب مدعاة للنقض، ومن سماته أيضاً مجانية الترافع بخلاف ما هو عليه في الكثير من الدول التي تأخذ مقابل مالي على فتح القضية.

والكثير من القانونيين والمتابعين للشأن القضائي في المملكة العربية السعودية يتوقعون مستقبلاً مشرقاً للقضاء في المملكة خاصةً بعد ما يتم تحقيق مقاصد مشروع خادم الحرمين الشريفين في تطوير العمل القضائي ويتم تفعيله على أرض الواقع. 

4 – هل مشروع تطوير العمل القضائي في المملكة يعد وسيلة فعّالة لمواجهه الحملات الإعلامية المتتالية على القضاء في المملكة؟

نعم، يعتبر مشروع خادم الحرمين الشريفين المرتكز الأساس في مواجهة الحملات الإعلامية الموجهة للسلك القضائي في المملكة العربية السعودية، فما يحمله هذا المشروع من طموح وإنجازات ورفعة للعمل القضائي ستقضي على جميع الدعايات المغرضة الموجهة على القضاء في المملكة.

لكن؛ دعني أبوح لك بأمر مهم: وهو أن الكثير من السهام الموجهة على القضاء في بلادنا الغالية ينصب على مسألة واحدة وهي: عدم وجود مرجع قانوني يتحاكم إليه المتخاصمان، بمعنى عدم وجود نصوص قانونية يمكن أن يرجع إليها، وأقول: الحكم في المملكة بالكتاب والسنة، فالحدود والقصاص مقننة من رب العالمين لا دخل لنا فيها ولا تصرف لنا فيها، وإنما نحكم بما حكم الله تعالى، فالسارق تقطع يده، والزاني المحصن الرجم، وشارب المسكر الجلد وهكذا، أما القضايا التعزيرية التي يرجع فيها لاجتهاد القاضي فهي بيت القصيد، إذ تختلف أحكام القضاة في القضايا المتشابهة في الظاهر مما يجعل لأهل النقد سبيلاً للحديث عن تناقضات القضاء في المملكة، لذلك أرى ضرورة التقنين في القضايا الاجتهادية، وذلك بفهرسة كتب الفقه وتحويل النصوص الفقهية إلى مواد قانونية أو نظامية تتيح للقاضي مجالاً من الاجتهاد في حدٍ أعلى وحدٍ أقل، وأظن مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير القضاء سيتولى الترتيب لهذا الأمر، كما أن الندوات والملتقيات والمدونات القضائية تساهم في ذلك. 

5 – هلا حدثتنا عن مفهوم وأهمية العمل الاجتماعي في المحاكم بالمملكة؟

العمل الاجتماعي يعتبر من أهم الوسائل المستخدمة للمشاركة في النهوض بمكانة القضاء في عصرنا الحالي, ويكتسب العمل الاجتماعي أهميةً متزايدةً يوماً بعد يوم نظراً للنتائج الايجابية الملموسة التي نشاهدها خاصةً في النزاعات الزوجية، فالتجربة المقدمة والمتمثلة في لجان الإصلاح الأسري الموجودة في المحاكم لاقت نجاحاً فائقاً وهو ما دعا الوزارة إلى تعميمها والتوسع فيها لتشمل جميع القضايا المنظورة في المحاكم، وما هذا الملتقى إلى دليل على الاهتمام بالجانب الاجتماعي وتفعيل دوره في المحاكم.

6 – ما الذي يستطيع تقديمه الأخصائي الاجتماعي من خدمات وبرامج للعاملين في المحاكم والأطراف المتنازعة للارتقاء بجودة العمل؟

الأخصائي الاجتماعي يقوم بعملية إصلاح ذات البين، وهي أصل من أصول دين الإسلام، فالأخصائي الاجتماعي يدعو إلى الإصلاح والتآخي والمحبة والمودة ونبذ كل عوامل الفرقة والشحناء, ويساعد في حل عدد كبير من القضايا، فتُعاد الحقوق لأصحابها، ويُحسم النزاع، ويكون التراضي وتبقى المودة والمحبة, وينبذ الخلاف، ويخف العبء عن المحاكم، فيتفرغ القضاة للدعاوى المهمة، وهذا هو بيت القصيد.

لذلك فإن الأخصائي الاجتماعي من مهامه أولاً: معاونة المحكمة بمحاولة التوفيق بين الزوجين في حالات الطلاق والخلع والخلافات الأسرية الأخرى كالحضانة والنفقة مثلاً، أو القضايا التي قد يرفعها طرف ضد الآخر.
وثانياً: التوجيه والإرشاد الفردي والجماعي بقصد الحد من النزاعات الأسرية التي تصل إلى المحاكم والتي مما لا شك فيه أنها إذا استحكمت في المجتمع فإنها ستؤدي إلى انهيار الأسرة بل والمجتمع و هذا العمل يسمى (التوعية الأسرية).

7- كيف يتم الاستفادة من الدول التي سبقتنا في هذا الشأن؟

تبادل الزيارات والإطلاع عن كثب على تجارب الدول المتقدمة يسهم بشكل فاعل في تعزيز دور الخدمات الاجتماعية، ويفيد في الجوانب التي تحتاج إلى تفعيل أكثر أو زيادة اهتمام، كما أن تأهيل الأخصائي الاجتماعي التأهيل المناسب في الدول التي سبقتنا في هذا الشأن يعود علينا بالفائدة المرجوة. 

8 – ما الضوابط والآليات لإنشاء مكاتب الخدمة الاجتماعية في المحاكم الشرعية؟

في تصوري أن مكاتب الخدمة الاجتماعية التي تكون في المحاكم الشرعية يجب أن تبرز وتظهر للعيان وتكون في مكان واضحة حتى يسهل الوصول لها والتعرف عليها، إضافة إلى توعية المجتمع بأهمية هذه المكاتب قبل رفع الدعوى القضائية إذ قد يكون الحل المناسب عندهم دون رفع دعوى أو خصومه.

9 – ما أهم خصائص ومواصفات الأخصائي الاجتماعي في المحاكم؟ 

الأخصائي الاجتماعي الذي يعمل داخل المحاكم الشرعية يجب أن تتوافر فيه مجموعة من الخصائص من أهمها الإخلاص والعدالة والثقافة الاجتماعية والصحة الجسمية والنفسية، بالإضافة إلى الثبات الانفعالي، والقدرة على التعامل مع الآخرين، واتساع المعلومات، وكتمان السر وعدم إفشاء الأسرار، ولكي يستطيع الأخصائي الاجتماعي أداء دوره بنجاح داخل المحاكم الشرعية لابد من الإلمام بشيءٍ من فقه الأسرة وفقه المعاملات والجنايات إضافةً إلى معرفته إجراءات التقاضي والأنظمة المعمول بها في المملكة كنظام المرافعات ونظام الإجراءات الجزائية وغير ذلك؛ ولا أقصد أن يكون كالقاضي أو المحامي في مؤهله، وإنما يكون له إطلاع على طبيعة القضاء والخصومات حتى يعرف كيف يتعامل مع الحالات التي تمر عليه.

ولي هنا وقفه مع المعهد العالي للقضاء؛ فالمعهد عليه دور كبير في تأهيل الأخصائي الاجتماعي تأهيلاً شرعياً يتناسب مع عمله كمُعِينٍ للقضاة في إنهاء الكثير من الدعاوى وإصلاح ذات البين، إذ يقع على عاتق المعهد إقامة دورات تأهيلية شرعية فقهية ونظامية للأخصائيين الاجتماعيين، فبعد اجتياز الأخصائي الاجتماعي الدورة التأهيلية في المعهد العالي للقضاء يكون مؤهلاً للعمل داخل المحاكم، وهذا هو الدور المنشود للمعهد العالي للقضاء، وهو أهلٌ لأن يبادر بذلك خاصةً مع انعقاد هذا الملتقى المهم، وأرجو أن يكون هناك توصية خاصة في نهاية الملتقى تحث المعهد على المبادرة بذلك.

10 – هل يوجد ميثاق لضبط العمل الاجتماعي داخل ردهات المحاكم ؟

في تصوري أن هذا الملتقى العلمي الثالث (دور الخدمة الاجتماعية في المحاكم الشرعية بالمملكة العربية السعودية) لأبد أن ينبثق منه ميثاق لضبط العمل الاجتماعي داخل المحاكم، وهو ما ستسفر عنه نتائج هذا الملتقى بإذن الله تعالى. 

11 – هلا حدثتنا عن واقع العمل الاجتماعي في المحاكم ؟ وهل يوجد نماذج توضح هذا الواقع؟

واقع العمل الاجتماعي داخل المحاكم في الوقت الحالي يحتاج إلى تطوير وتفعيل أكثر، ولذلك وزارة العدل ممثلة بمعالي وزيرها وفقه الله تنبهوا لذلك وسعوا إلى إقامة هذا الملتقى لبيان أهمية الخدمة الاجتماعي داخل المحاكم.

أما عن النماذج التي توضح ذلك الواقع فهي في نظري تكمن في أن البعض من القضاة لا يحيل على مكاتب إصلاح ذات البين أو الإصلاح الأسري أو مكاتب الخدمة الاجتماعية؛ إما لعدم قناعته بجدواها، وإما لعدم تأهيل من فيها من الأخصائيين، إذ عدم تأهيل الأخصائي الاجتماعي التأهيل الكافي يؤدي إلى مفاسد أكثر ولا يتحقق المقصود من وجوده في المحكمة.

12 – ما دور العمل الاجتماعي في معالجة الخلافات الأسرية والحد من مشكلات الطلاق والإرث وغيرها من القضايا المختلفة؟

عمل الأخصائي الاجتماعي هو علاجي وقائي إرشادي تنموي يعتمد على العلم والمهارة، والهدف منه تدعيم بناء الأسرة، وصولاً إلى أقصى ما يمكن تحقيقه من الاستقرار المعيشي للأسرة كوحدة اجتماعية متماسكة، وبالتالي ينموا المجتمع بعيداً عن المشاكل بعيداً عن المحاكم والقضايا.

13- كيف ترون أداء المحاكم في المملكة في عهد الملك عبد لله بن عبد العزيز؟ وما تقييمكم لاهتمامه حفظه الله بمرفق القضاء؟

سبق أن ذكرت أن مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير القضاء نقل السلك القضائي عندنا في المملكة العربية السعودية إلى مرحلة جديدة من مراحل التطور الإداري والتقني، ولقد شهدنا في السنوات الست الماضية من عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله ورعاه إنشاء المحاكم المتخصصة، والتوسع في بناء المحاكم وكتابات العدل، وكذا التوسع في تعيين القضاة، ونشر الثقافة العدلية في المجتمع، كل ذلك ساهم بشكل كبير في مسيرة عمل المحاكم وتقليص الكثير من الإجراءات والتعقيدات التي كانت موجودة في السابق.

14 - ما مقترحاتكم لملتقى دور الخدمة الاجتماعية في المحاكم الشرعية بالمملكة العربية السعودية؟

ننتظر من هذا الملتقى الشيء الكثير ونعول عليه في عملية التطوير لمكاتب الخدمة الاجتماعية بالمحاكم ما هو أكثر، لذلك أرى أن التغطية الإعلامية الواسعة لوقائع الملتقى وطباعة البحوث المقدمة ونشرها سيساعد في التوعية المجتمعية بأهمية تلك المكاتب في المحاكم.

وفي الختام أتقدم بالشكر الجزيل بعد شكر الله تعالى للقائمين على هذا الملتقى العلمي المبارك وعلى رأسهم معالي وزير العدل الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى والعاملين معه في الوزارة، والشكر موصول للجنة الإعلامية ولمجلة الدعوة على جهودهم المباركة في التغطية الإعلامية لهذا الملتقى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد...